الواجب غرْسُه وتلقينُه وترسيخه في نفوس النشء أو الأبناء أو المتعلمين هو ربطُهم بالمبادئ الحقَّة العادلة التي هي قِيم أخلاقية عادلة في نفسها لا يمكن أن تكون نسبية وإلا فسَد نظام الكون كله، دون أن يُربَطوا بكيانات ولا أشخاص ولا تكتُّلات ومصاديق خارجية، فيجب مثلا أن ينشأوا على محبة العدل وتقديس الفضيلة وبُغض الظلم والبراءة من الظالمين ومحبة الأمانة والصدق والعفاف ونحو ذلك.
ولا يُلقَّنوا أن فلانا بعينه كذا وكذا وأن الطائفة الفلانية كذا؛ لأن أبواب الاحتمالات مُشرَعة والظن فيها كثير، ومن المُصادَرةِ المُبادَرةُ إلى تحجير العقل بالتوجيه وفرْض القيود عليه، بل من الأفضل أن يُترك له هذا يكتسبه بنفسه، أعني أن تُترك له مساحة التفكير والتحليل وأن يخوض هو تجربة الاكتساب لكي يستطيع القيام بعملية النمذجة وإيجاد المصاديق الخارجية لهذه المفهومات الذهنية الكلية، وينتزع هو هذا بنفسه ميدانيا، هكذا يكون أكثر استقلالا في فكره وتتكوَّن عنده شخصية ناقدة واعية؛ لأن أكثر التعصُّب والعُنف هو من تلقين أمور كانت إبّانَ النشأة والصبا، اعتادَ عليها المرء ورأى كل شيء في الدنيا من خلالها وصارتْ هي في نفسها مَعقِد الولاء والبراء.