من الذكاء الاجتماعي أن جليسك إذا فضفض أمامك أو شكا إليك أحدا ممن يحبهم، كأن يشكو مثلا سوء تصرفات ولده أو بعض أفعال أبيه أو أمه معه، فمن المستحسن أن لا تُوافقه في هذا، فليست هذه الموافقة مناسبة هنا، بل تُذكِّره بما تعرفه من مزايا ولده أو بمحاسن أبيه؛ فإن هذا أوفَق لِما في باطنه وأهدأ لنفسه؛ لأن الإنسان الطبيعي سخطُه على أخصِّ الناس به لا يتجاوز الظاهر، ثم يعود سريعا إلى الصفاء، فلا تكون قد حُسبت عليك واحدة.
وقد ورد في كتب التاريخ أن سيدنا الحسن بن سيدنا علي - عليهما السلام - كان كثير التزوج وكثير الطلاق أيضا، فكان هذا يُضجر أباه، حتى قال مرةً على المِنبر: إن الحسن مِطلَاق، فلا تُنكحوه.
فقام رجلٌ من هَمدان فقال: والله يا أمير المؤمنين، لَنُنكِحَنَّه ما شاء، فإنْ أحَبَّ أمسَك، وإنْ أحَبَّ ترَك، ففرحَ عليٌّ رضي الله عنه بهذا الكلام، وقال:
ولو كنتُ بوَّابًا على بابِ جَنَّةٍ
لقلتُ لهمدانَ: ادخلوا بسلامِ.
قال الإمام الغزالي تعليقا على هذه الواقعة:
" وهذا تنبيهٌ على أنَّ مَن طعَن في حبيبه من أهلٍ وولدٍ لنوعِ حياءٍ، فلا ينبغي أن يُوافَق عليه؛ فهذه الموافقة قبيحة، بل الأدب المخالفة ما أمكن؛ فإن ذلك أسَرُّ لقلبه، وأوفَقُ لباطنِ رأيه".