▫ومعنى الحديث أن الصمت سبب للنجاة ، فمن صمت نجا من آفات اللسان ، وآفات اللسان غير محصورة ، فكان سبيل النجاة والفلاح للعبد الناصح لنفسه أن يتأمل كلامه قبل أن يقوله ، فإن كان فيه خير ، تكلم به ؛ وإلا ففي الصمت منجاة من الإثم ، ومن مغبات جرائر اللسان ؛ وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ) . رواه البخاري (٦٠١٩) ، ومسلم (٤٨) .
❍ قال ابن عبد البر رحمه الله : " الْكَلَام بِالْخَيْرِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ أَفْضَلُ مِنَ الصَّمْتِ ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ بِالْحَقِّ كُلُّهُ وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ ، وَإِنَّمَا الصَّمْتُ الْمَحْمُودُ الصَّمْتُ عَنِ الْبَاطِلِ . " انتهى من التمهيد (٢٢/ ٢٠) .
❍ قال النووي: " وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب الْحَدِيث عَلَى الْأَكْل تَأْنِيسًا لِلْآكِلِينَ" . انتهى من "شرح صحيح مسلم"(١٤/٧) .
▫وتأنيس الآكلين ، الذي ذكره الإمام النووي رحمه الله هنا ، هو أمر معروف شائع عند العرب : أنه من تمام القرى والكرم : محادثة الآكلين ، لا سيما الضيوف .
▫قال الشاعر :
وَرُبَّ ضَيفٍ طَرَقَ الحَيَّ سُرى
صادَفَ زاداً وَحَديثاً ما اِشتَهى
إِنَّ الحَديثَ طَرَفٌ مِنَ القِرى .
❍ قال ابن القيم : " وكان يتحدث على طعامه كما تقدم في حديث الخل ، وكما قال لربيبه عمر بن أبي سلمة وهو يؤاكله : ( سم الله وكل مما يليك ) " . انتهى "زاد المعاد " (٢/٣٦٦) .
▫ففي هذه الأحاديث دلالة على إباحة الكلام أثناء الطعام ، وما يروى من أحاديث فيها الأمر بالحديث على الطعام أو النهي عنه فلا يصح منها شيء .
❍ قال الحافظ السخاوي: " لا أعلم فيه شيئاً ، نفيا ولا إثباتا " . انتهى "المقاصد الحسنة " صـ (٥١٠) .
❍ وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: " الكلام على الطعام كالكلام على غير الطعام ؛ حسنه حسن ، وقبيحه قبيح " . انتهى من " سلسلة الهدى والنور " شريط رقم (١٥/١) .
▫كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَدِّر قيمة الوقت، ويحرص على المحافظة عليه، إلى الدرجة التي كان يحبُّ فيها الإسراع في المشي؛ وذلك حتى يحافظ على كل لحظة في حياته، وقد شرح لنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه طريقة مشيه صلى الله عليه وسلم، فقال : ◽ كما روى الترمذي، وقال الألباني: صحيح-: «إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ» .
▫والتكفِّي هو التمايل إلى الأمام، وينحطُّ أي يسقط، والصبب هو الموضع المنحدر من الأرض، فتُصبح طريقة مشية الرسول صلى الله عليه وسلم كأنه ينزل مسرعًا من جبل مثلاً، ولا يتنافى هذا مع الوقار أو السكينة؛ حيث إن هذا الإسراع إسراع نسبي يُحَقِّق الاختصار في الوقت دون الإرهاق في الحركة، وهو لا شكَّ أقلُّ من الجري أو الهرولة؛ لأن عليًّا رضي الله عنه كان يصف المشي تحديدًا بقوله: "إِذَا مَشَى". فلنحرص على هذه الجديَّة في المشي، ولْنحافظ على كل دقيقة من أعمارنا، فإن اللحظة التي تمرُّ لا تعود إلى يوم القيامة .