يظن بعض أصحاب الآرائك الفكرية أن تجارِب إصلاح الواقع لابد أن تكون نهائية، ومتكاملة وخالية من الأخطاء، وآمنة.
وهل تجري أنهار الفرح إلا بتراكم قطرات الدماء!
يعيش بعضهم في عالم تجريدي محدود العوامل، ينتظر حقًّا نقيًّا صافيا، يبعثه الله ليُقيمَ له تلك اليوتوبيا التي يحلم بها، ولن يفرح أحدُهم بغرق فرعون لاحتمال مجيء فرعون آخر، أو دخولنا في التيه كما حدث لبني إسرائيل، وقد يتساءل أين النصر في عاشوراء؟
أما العالم الذي نعيشه، فهو متداخل ومتشابك، يختلط فيه الخير بالشر، ويسعى العقلاء لتقليل المفاسد قدر استطاعتهم، يبذلون ما يستطيعون من جهد، ويرجون رحمة الله، ويثقون في تدبيره، يفرحون بالانتصارات الجزئية، ويعلمون أن ضربة النهاية ليست واحدة، وإنما هي ضربات قد يُخطئ بعضها الهدف، يحزنون لآلام أمّتهم، ولا ييأسون لتأخر النصر، يسعون في هداية الناس وإنقاذهم من الظلم، يتفهمون مراتب العداوات، ويعلمون أن المكر يحيط بهم، وأن الأمة في حالة ضعف وهوان ووَهن، يؤمنون بسنّة التدافع، ويفقهون قيمة الدنيا، ويصلحون أخطاءهم محاولين التعلم من أخطاء العمل؛ فالقاعد لا يُخطئ.
اللهم استعملنا فيما تحب وترضى، ونعوذ بك من قلب ميت، وصدر مُعتم.
اللهم فقهنا في ديننا، وأرنا سبلَ رضاك، وبيّن لنا سبلَ المجرمين، ونعوذ بك أن نكون ظهيرا للمفسدين، واجعلنا مع الصادقين.