عِندَمَا تُوَاسِي فُلَان، وَتَمسَحُ دُمُوعَ فُلَان، وَتَجبُرُ كَسرَ فُلَان صَدِقنِي أنتَ تَسعَى إلى مَرتَبَةٍ عَظِيمَة، وَمَنزِلَةٍ كَرِيمَة لا يَبلُغُهَا أيُّ إنسَان، وَلا يَرتَقِ لِنَيلِهَا كَائِنٌ مَن كَان.. ألا وَهِي جَبرُ الخَوَاطِر، تِلكَ العِبادة التِي تَتَقَرَّبُ إلى اللَّهِ عز وجل بِهَا، لَيسَ مِن السَهلِ أن يَكبِت المَرءُ عَلى جِرَاحِهِ وَ أن يَتَنَاسَى أنِينَ آلامِهِ التِي تَعصِفِ فِي أعمَاقِهِ، وَلكِنَّهُ الإيثَار الذِي يَدفَعُهُ لِمُوَسَاةِ الآخَرِين وَهُو أحوَجَ مَا يكُونُ إلى مُوَاسَاتِهِم، يَسعَى فِي جَبرِ قُلُوبِهِم وَفُؤادُهُ مُتَصَدِّعٌ مِن كَثرَتِ النُدُوبِ فِي دَاخِلهِ، يَترُكُ فِي قَلبِ كُلِّ مَن عَرَفَهُ أثَر وَيَمضِي سَرِيعًا كَغَيمَةِ المَطَر، ليسَ لغَايَةٍ فِي نَفسِهِ وَلا يَرتَجِي مِن ذَلكَ رِفعَةَ قَدِرٍ بَينَ النَاس فَهُوَ ذَاتُهُ مَجهُولٌ بَينَهُم لا يَعرِفُوهُ إلا بَعدَ أن يَستَودِعُوهُ، الحَيَاةُ لديهِ ليسَت سِوَى رحلَةٍ سَتَنقَضِي ذَاتَ يَوم وَكُلُّ رِحلَةٍ لا بُدَّ لهَا مِن زَاد، وَهُم يَبتَغُونَ مِن ذَلكَ إعدَادَ الزَادِ وَتَركَ الأثَرِ بَعدَ المَمَات ! فـ لِلَّهِ هُم وَقُلُوبُهُم...