فيسمعهم ولا ينطق وينظر إليهم ولا يفعل وينظرون إليه وهم عاجزون عن إنقاذه
﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الواقعة: 83 - 85]
﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ [ق: 19 - 22].
الموت في كل يوم ينشر الكف *** نا ونحن في غفلة عما يراد بنا
لا تطمئن إلى الدنيا وبهجتها *** وإن توشحت من أثوابها الحسنا
أين الأحبة والجيران ما فعلوا *** أين الذين همُ كانوا لنا سكنا
سقاهم الموت كأسًا غير صافية *** فصيرتهم لأطباق الثرى رهنا
﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [السجدة: 11]
﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الزمر: 42].
(وكأن بالداعي يبكي عليه أقربوه.. وكأن القوم قاموا فقالوا أدركوه..
اسألوه كلموه حركوه لقنوه حركوه وجهوه مددوه غمضوه عجلوه غسلوه كفنوه حنطوه
فإذا ما لف في الأكفان قالوا فاحملوه أخرجوه فوق أعواد المنايا شيعوه..
فإذا ما استودعوه الأرض تركوه.. أثقلوه أبعدوه أحقروه.. أوحدوه أفردوه ودّعوه..
فارقوه خلفوه أسلموه.. وانثنوا عنه وتركوه كأن لم يعرفوه).
عباد الله: ليلتان اثنتان يجب على كل واحد منا أن يحفر لهما في ذاكرته وأن يجعلهما نصب عينيه
ليلة في بيته منعمًا سعيدًا مع أهله وأطفاله في صحة جيدة وعيش رغيد
وليلة تليها حل فيها الضعف محل القوة والحزن محل الفرح والسكرات محل الضحكات
فلا القوة تنفع القوي ولا الذكاء ينفع الذكي ولا المال ينفع الغني
يقول الله سبحانه وتعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [الحشر: 18 - 20].
عباد الله : لنتأمل ونتدبر الآيات التي كررها الله في ذكر الموت والإخبار عن دناءة الدنيا وسرعة فنائها وانقطاعها والحث على الزهد فيها والترغيب في الآخرة والإخبار عن شرفها ودوامها وبقائها فهي آيات كثيرة وعظات بليغة كرر الله ذكرها في كتابه الكريم وكرر الحديث عنها في الذكر الحكيم
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 5، 6].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
*الخطبة الثانية:*
الحمدُ للهِ وكفَى، وسلامٌ علَى عبادهِ الذينَ اصطفَى،
وأشهدُ أنْ لَا إلهَ لَا إلهَ وحدهُ لَا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولهُ، أمَّا بعدُ:
الدنيا سريعة الفَناء قريبة الانقضاء تعِدُ بالبقاء ثم تخلفُ في الوفاء
تنظر إليها فتراها ساكنة مستقرَّة وهي تسير سيرًا عنيفًا وترحل ارتحالًا سريعًا
ولكنَّ الناظرَ إليها قد لا يحس بحركتها فيطمئن إليها فلا يشعر بسرعتها إلا عند انقضائها
يقول الله سبحانه وتعالى -: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24].
هذه الدنيا هي دار المصائب والشرور فليس فيها لذة إلا وهي مشوبة بالكدر
وليس فيها سرور إلا وهو متلبس بالمنغصات
فشبابها يسوق إلى الهرم وسلامتها تعقبها السقم
ونعيمها في النهاية حسرة وندم ووجودها إلى عدم
إن أضحكتك يومًا أبكتك أيامًا وإن سرتك حينًا من الدهر أحزنتك أحيانًا.