(براءة الأعلام، من تكفير أهل الإسلام) [4]
قالَ الإمامُ أبو محمّدٍ عليُّ بْنُ حَزْمٍ الظّاهريُّ، رحمه الله، في كتابه (مراتب الإجماع)، مبيّنًا حدّ العُلَماءِ المعتدِّ بهم في انعقاد الإجماع:
"ولسنا نُخْرِجُ مِن جُملَةِ الْعُلمَاءِ مَن ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ وبَحثُهُ عَن حُدُودِ الْفُتْيا، وإنْ كَانَ مُخَالِفًا لنِحْلَتِنا، بل نَعتدُّ بِخِلَافِهِ كَسَائِرِ الْعلمَاءِ وَلَا فرقَ؛ كعَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ، وَمُحَمّدِ بنِ إسحاقَ، وَقَتَادَةَ بنِ دِعامةَ السَّدُوسِيّ، وشَبَابةَ بنِ سَوّارٍ، وَالحَسَنِ بنِ حَيٍّ، وَجَابِرِ بنِ زَيدٍ، ونُظَرائِهم، وإن كَانَ فيهم القَدَريُّ، والشِّيعيُّ، والإباضيُّ، والمُرْجِئُ؛ لِأَنهم كَانُوا أهلَ عِلْمٍ وَفضْلٍ وَخيرٍ واجتهادٍ، رَحِمهم الله.
وَغَلَطُ هَؤُلَاءِ بِمَا خالفونا فِيهِ كغَلَطِ سَائِر الْعُلمَاءِ فِي التَّحْرِيمِ والتّحليلِ، وَلَا فَرْقَ"، اهـ.
ولم يتعرّض ابنُ تيميّة لهذا الكلام في (نقد مراتب الإجماع)؛ فهو مُقِرٌّ له.
وقد قال ابنُ تيميّة نفسُه في كلامه على أهل الأهواء والبِدَع:
"وأما مناظرتهم في الشريعة، فما زال السلف والخلف يتكلمون معهم، ولا يقولون لهم: أنتم خالفتم الإجماع فلا قول لكم. وكان ابن عباس، رضي الله عنهما، يخاطب نَجْدَةَ الحَروريَّ ونافع بن الأزرق وغيرهما، وإذا نازعوا الناس في مسألة من مسائل الشرع لم يقولوا لهم: قد انعقد الإجماع على خلافكم في هذه المسألة، بل يحتجون عليهم بالكتاب والسنة؛ وذلك أنهم وإِنْ كانوا ضالين فيما خالفوا فيه أهل السنة والجماعة فلا يلزم ضلالهم في كل شيء، لا سيما إذا كان قد وافقهم بعض أهل السنة والجماعة في تلك المسائل.
ولا يجوز أن يكون الله أقام عليهم الحجة بقول منازعيهم الذين لم يَقُمْ دليل شرعي على عصمتهم؛ فإنَّ أدلةَ الإجماع إنما دلت على عصمة المؤمنين بلفظ المؤمنين ولفظ الأمة؛ كقوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تجتمع أمتي على ضلالة». فإذا كان اسم المؤمنين وأمة محمد صلى الله عليه وسلم يتناولهم، ولهم نظرٌ واستدلالٌ، ولهم دين يُوجب قصدهم الحق- لم يبقَ وَجْهٌ لمنع الاعتداد بهم".
(الردّ على السّبكيّ في مسألة تعليق الطّلاق)، 2/ 662.
#مهمات
#تيميات
#براءة_الأعلام