View in Telegram
(براءة الأعلام، من تكفير أهل الإسلام) [3] قال العلّامة الشّيخ الطّاهر ابن عاشور، في تحقيقٍ عالٍ نفيس: «فإن قال قائل: كيف تَعُدُّ محمودًا ‌الزّمخشريَّ في ‌مجدِّدِي أمر الدّين؟ فإنّ ظاهر كلام الرّسول عليه السلام ينبئ بأنّ هذا التّجديد مَزِيّة دينيّة، وأنّ القائم به ميسَّر مِن إلههِ لهذا العمل الصّالح، فيَظهر أنه معدود من صالح المؤمنين، وأنت تعلم أنّ الزّمخشريّ كان معتزليَّ العقيدة مخالفًا لعقيدة أهل السُّنّة، فهل يَتلاقى اعتقاد الاعتزال والقيام بتجديد الدّين في ذات واحدة؟ قلتُ: أنا لا أجهل أنّ الزّمخشريّ كان من المعتزلة العَدْليّة، فإن صحَّ أنه قد رجع عن ذلك إلى عقيدة أهل السنة كما نَحاه كثير من علمائنا، فالجواب عن السؤال ظاهر، غير أنِّي لا أطمئنّ إلى هذه الأمنيّة، ولا أحسب الزمخشريّ قد رجع عن مذهب الاعتزال مع كونه من أساطينه، وحينئذ فأنا أجيب السّائل بأن الخلاف بيننا وبين المعتزلة العَدْلية خلافٌ في أمور خفيفة هي مجالٌ للاجتهاد ومثارة من الأدلّة الّتي تعلّقوا بها فيما خالفونا فيه، وتلك الأدلة وإن كان أكثرُها ضعيفًا فليس فيها مخالَفة للقواطع. ولذلك فهم أقربُ المخالفين لنا في مسائل الاعتقاد، وجميع ما خالفنا المعتزلةُ فيه من مسائل العقائد لا يترتّب عليه استحلالُ حرام، ولا استباحةُ دمِ المخالف ولا ماله ولا تكفيرُه؛ فهم يعتقدون عصمةَ الرسل، وعدالةَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعظمون آلَ رسول الله، ويرون حُرمةَ دم ومال وعرض مَنْ قال: لا إله إلا الله، ولا يكفرون أحدًا بذنب من أهل القبلة، ويثبتون صفات الكمال له تعالى، ولا يعطلون آيات الوعد والوعيد، ولم يقع بينهم وبين أهل السنة قتال. وغايةُ أمرهم أنهم يتطاولون في الاستدلال على أهل السنة بعبارات بذيئة، وذلك لا يخلو منه المختلفون في المسائل العلمية بإفراط أو إقلال. وأيضًا فإن جميع المعتزلة العدلية متبعون في الأعمال الفرعية أحدَ مذاهب السنة فيها، لا سيما مذهب أبي حنيفة ومذهب الشافعي رحمهما الله؛ لأن الاعتزال لا علاقةَ له بالأعمال، ولأنهم لا ينتقصون أئمة المذاهب؛ فمعتقدُهم لا أثرَ له في الأمور العلمية، ولا يُفضي إلى ارتكاب ما يُخالف شرائعَ الإسلام. إذن فاعتقادُ الاعتزال ليس فسقًا. وقد صرح علماؤنا بأن حالَ المخالفين لنا في الاعتقاد مع التزام عقيدة الإسلام إذا لم يصرحوا بالكفر، بل قالوا مقالاتٍ تجر إلى الكفر أو إلى مخالفة ظواهر الأدلة من الكتاب أو السنة، يرجع النظرُ في تكفيرهم أو تفسيقهم إلى قاعدة أصلية، وهي قاعدةُ (المؤاخَذة بلازم المذهب)؛ فمِنَ العلماء مَنْ يرون لازمَ المذهب مذهبًا، فيرتِّبون على أقوال الفرق المخالفة لنا في الأصول ما يلزم أقوالَهم لزومًا بيِّنًا، فإن لزم منه إبطالُ أصلٍ من أصول الإيمان، أو إنكارُ معلوم بالضرورة يعتبرونهم كفارًا أو فَسَقة، على تفاوت قوة اللزوم وضعفه، وهؤلاء أمثال الشيعة الغرابية والباطنية. وعلى اختلاف العلماء في اعتبار اللازم مساويًا للملزوم، أو اعتباره دون ملزومه فيما يترتب عليه وإن لم يلزم من مذهبهم كفر، ولكن يلزم منه فسق، مثل الحَروريّة الذين يُكَفِّرون الفِرَقَ الإسلاميّة عدا فِرَقِهم، ومثل الخَطّابية المجوِّزين للكذب في الرّواية والشّهادة، ومثل المرجئة النافين للوعيد، ومثل الذين يقولون بكفر مرتكِبِ الكبيرة؛ فهؤلاء فساقٌ عندنا وليسوا كفارًا؛ لأن مقالاتهم لا تفضي إلى إنكار أصلٍ من أصول الإيمان، ولكنها نشأ عنها أعمالٌ هي كبائر، كاستباحة دماء كثير من المسلمين العصاة. وإن لم يلزم من مقالاتهم شيءٌ إلا الخطأ في العلم والدين في مسائل النظر، فهم مخطئون وليسوا كُفّارًا ولا فُسّاقًا، مثل المعتزلة. وكذلك فِرَقُ الشّيعة الإماميّة الذين يفضّلون عليًّا على أبي بكر. والخطأ العلمي لا ينافِي الصلاحَ في الأعمال. وأما العلماء الذين لا يرون لازمَ الذهب مذهبًا، فهم لا يعتبرون إلا حالةَ لوازم أقوالهم وما يترتب عليها من أعمالهم، فكانوا يعدون غلاةَ الفرق المخالفة فُسّاقًا، ولا يعدون من عداهم فساقًا. قال شهاب الدين القَرافي في تنقيح الفصول: "[وأما المبتدعة] فقد قبل البخاريُّ وغيره روايتهم، كعمرو بن عبيد وغيره من المعتزلة، نظرًا إلى أنهم مِن أهل القبلة"، يعني: نظرًا إلى أنهم ليس في أقوالهم ما ينشأ عنه ارتكابُ أعمال من الكبائر. وفي كتاب الجنائز من (المدوَّنة) قال مالك: "لا يُصَلَّى على أحد من أهل الأهواء". قال أبو الحسن في شرحه: "اختلف المالكيةُ في تأويل قول مالك، فقال سحنون: إنما أراد به التأديبَ وكراهيةَ مخالطتهم، ووافقه ابنُ رشد على ذلك وجماعة، أي: لا يصلِّي عليهم أهلُ السنة، وإنما يصلي عليهم أهلُ نِحلتهم. ألا ترى أن مالكًا لم يُفتِ بأنهم لا يُدفنون في مقابر المسلمين، ولم يصرّح بأنهم يُتركون بدون صلاة عليهم؟ ... =
Love Center - Dating, Friends & Matches, NY, LA, Dubai, Global
Love Center - Dating, Friends & Matches, NY, LA, Dubai, Global
Find friends or serious relationships easily