كل أب بيحلم يشوف اولاده بمراكز مهمة، حاملين شهادات، عم يلمعوا بالمجتمع. بس عنا هون، أعلى مراتب الشرف ما بتنقاس بهالشغلات بس.
عنا، الشرف الأعظم هو العطاء، هو الجهاد. مش لأن الدين بيقول إنه واجب مقدس بس! بل لأن كل شاب وشابة بهالأرض بيعرفوا إنهم إذا بدهم يرفعوا راسهم وراس أهلهم و ينجحوا بالدنيا والآخرة ما في شرف أعلى من إنهم يبذلوا دمهم للدفاع عن أرضهم، عن حقهم، عن كرامتهم.
بتطلع بولادي، وبسأل حالي: إذا إجا يوم وكبروا، شو رح يكون طموحهم؟ إذا عرفوا إن الطريق للأعلى ما بيمر بس من قاعات الجامعات ولا منصات التكريم، بل من خنادق الشرف، هل رح يكون عندهم نفس العزم اللي بيشوفوه اليوم حواليهم؟
يمكن هاي الأفكار تقيلة عالأهل، بس هي جزء من حياتنا، من حقيقتنا. منعيش مشان نحمي وطننا، ومنربي ولادنا مشان يكملوا هالمسيرة.
الله يرزقكم فرحة زوجتي ببدء العام الدراسي لإبني واللي انضم لإخواته وصروا كلهم بالمدرسة وصار فيها زوجتي ترتاح الصبح بعد مشوار استمر 9 سنوات من العناية بالأطفال 😂
ما بعرف شو الحلو بتاريخ بني أمية حتى هلقد مشردقين فيهن الجماعة.
يعني حدا عنده هند اكلة الاكباد، اللي اكلت كبد الحمزة عليه السلام، وحدا عنده معاوية اللي شق وحدة المسلمين وجعل نظام الحكم بالاسلام وراثي وقتل الصحابة ونقض الصلح مع الامام الحسن (اللي هو اخر الخلفاء الراشدين عندن).
وحدا عنده يزيد اللي معروف عنه فسقه وفجوره وبُعده كل البعد عن الاسلام وهو من أمر بالهجوم عالكعبة واحراقها، وكان قائد هالهجوم هو الحجاج ابن يوسف الثقفي المعروف باجرامه.
وحدا عنده مروان ابن الحكم اللي النبي نفى بيو عالطائف وما رجع الى وقت حكم عثمان، اللي قالت فيه عائشة: "أمّا أنتَ يا مروانُ فأشهدُ أنَّ رسولَ اللهِ لعنَ أباكَ وأنتَ في صُلبِه".
اي والله متل ما قالوا للإمام الحسين عليه السلام "بغضًا منّا لأبيك.."
أما نحنُ، كما كُل عام، أُمنيتنا أن يكون هذا العام عام الظهور لتملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً
أما هدفنا هو السعي بعلمنا وعملنا وفكرنا وطاقاتنا وقدراتنا للإستعداد والتمهيد لذلك اليوم الموعد، ونسأل الله أن نكون من الممهّدين وحتى ذلك اليوم يبقى الخيار الأفضل، خيار المقاومة
أول ضهرة مع العيلة بعد ما خلّصت تصليح السيارة بعد الحرب كانت اليوم. مشوار بسيط، ما كان فيه شي مميز أو وجهة محددة، بس كان من أحلى اللحظات بحياتي.
ركبنا السيارة واتفقنا نروح نجيب شوية أغراض: خضار، جبنة، لبنة للأسبوع. كان الجو شتا، المطر عم ينزل بخفة، والبرد دافي بوجود ولادي وزوجتي معي.
مشينا بالضاحية المدمرة، اللي كل زاوية فيها بتحكي قصة عن الحرب والمقاومة. عجقة عالم، ناس عم تعمر وناس عم تبيع عالطريق، ووجوه مليانة تعب وإصرار. يمكن المفارقة اللي حسّيتها هي إن وسط كل هالفوضى والدمار، حسّيت بنعمة وجودنا مع بعض.
البساطة اللي كانت بهالمشوار، صوت ضحكة ولادي وهني عم يلعبوا بالسيارة، كلام زوجتي وهي عم تحكي عن شو نطبخ للعشا، والمطر اللي كان عم يغسل كل شي حوالينا، خلّوا هالضهرة وكأنها رحلة العمر.
أوقات، السعادة ما بتجي من الأماكن المبهرة أو الخطط الكبيرة. بتجي من لحظة بتجمعك مع اللي بتحبّن، ومن شعور إنك، رغم كل شي مرقت فيه، باقي واقف ومكمل. واليوم، أنا حسّيت بهالشي، قدّام عيلتي، ووسط بلدي اللي كل ضربة بتزيده قوة وعزم.
كنا انا وأولادي بمكان وشفنا حاج كبير بالسن لابس شال أصفر. الناس كلها زاحت من الطريق بحركة تلقائية وهادية، كأنو كل حدا فهم شو يعني هالشال بدون ما حدا يحكي كلمة.
سألتني بنتي الصغيرة: ليش يا بابا عم يفتحولو الطريق؟ جاوبتها: هيدا والد شهيد يا حبيبتي.
نظرتي للحظة بعينيها وهي عم تحاول تستوعب الإجابة، وأنا كنت عم فكّر: قديش مجتمعنا وفي للتضحيات! مشهد متكرر بكتير مناسبات، بس هالمرة شفتو بعين ولادي لأول مرة.
الشهادة عنا مش مجرد فكرة أو لقب، الشهادة هي مجد بيعيش مع أهل الشهيد وبيمشي قدامن وين ما راحوا.
عنا الشهيد ما بيروح لحالو، بيسحب معه وجاهة بالدنيا وعزّة بالآخرة، بيسحب معه صيت نقي وكرامة إلها معنى، إلها وزن. أهل الشهيد، مهما كانت حياتهم بسيطة، بيلبسو هالكرامة متل تاج، وما حدا بيقدر ينكر قيمته.
اليوم، اتعلمت بنتي درس جديد: الوفا حق، والحق غالي، والشهيد بيخلّي كل التضحية إلها هيبة ومكانة. وأنا، كأب، بفتخر إن ولادي عم يكبروا بمجتمع بيعرف قيمة اللي قدّم دمو لكرامتنا وحريتنا.
مجتمع ما بينسى تضحيات أبطالو، ولا يوم بيستحي يقول: أنا ابن هالأرض.. أرض الشهداء.
رجعنا عالبيت بعد 69 يوم على خروجنا من بيتنا بسبب الهمجية الصهيونية وبعد مئات الشهداء من مجاهدين ومدنيين وبعد آلاف الغارات اللي طالت كل لبنان وبعد عدة ايام من العمل بالبيت ليصير جاهز، رجعنا على بيتنا منتصرين مرفوع راسنا.
حسينا بكل خطوة عم ندخلها عالبيت إنه مش بس نحن اللي رجعنا، رجعنا ومعنا قصص كبيرة ومواقف ما بتنسى.
هالبيت اللي تركناه بسرعة، صار اليوم رمز للصمود والانتصار. التراب اللي كان عم يغطي الأرض قدام الباب صار أغلى من الذهب، وأثاث البيت اللي كان بالأول مجرد أغراض عادية، صار قطعة من الذاكرة، شاهد على وجعنا ودموعنا وصبرنا.
المشاعر متخبطة. نحن راجعين مرفوعي الراس، بس ما فينا ننسى الناس اللي قدمت أرواحها لحتى نرجع لهون. كل زاوية بالبيت بتحكي قصة، وكل ريحة بالغرف بتذكرنا إن الحياة أكبر من الأشياء المادية، وإن الحرية والكرامة هي اللي بتعطي للحياة معنى.
اليوم، ما عم نرجع على نفس البيت، نحن رجعنا على بيت جديد بمعنى جديد، بيت مبني على صمودنا وعزتنا. اليوم، بيتنا مش بس جدران وسقف، بيتنا هو الحكاية اللي حنرويها لأولادنا، عن صمود بلد وشعب، وعن دموع الفراق وفرحة اللقاء.
كيفَ أشرحُ لمن لا يفهم كربلاء أنّنا انتصرنا، و أنّ بقاءنا على قيد الحياة هو معجزة، و أنّ ثورتنا لا زالت مشتعلة و لم تخمدها رماد اليهودي في بلادنا..
شو يعني إنّي بعدني على قيد الحياة؟
مش بس حياة جسد، بس حياة روح وثورة. هل بقائي هون عم ربي أولادي على القيم اللي ورثناها هو انتصار؟ مش ضروري نكون على ظهر فرس وعم نحارب بسيف لنقول إننا عم نواجه، يمكن أكبر معركة هي نزرع بأولادنا كلمة "الله" من قلب صادق، مثل ما الإمام الحسين زرعها بطفله عبد الله وهو بعمر الشهور.
لما بنتي الصغيرة تجي تسألني ليش منوقف حدّ المظلوم؟ أو ليش مهم نكون صادقين؟ أو حتى ليش ما منخاف؟ بحس كأني عم عيش معركة كربلاء يوميًا، بدون صوت الرماح أو الخيول بس هون عم تحارب ضد إغراءات الحياة، ضد الغفلة، ضد إنك تصير نسخة من الظالمين اللي كرهناهم.
وعلّمتني كربلاء إن المهم مش النتيجة، المهم التكليف. أنا مش مسؤول عن كم واحد رح يفهم أو يقتنع، أنا مسؤول عن إني أزرع هالقيم، والباقي عند الله. لما ابني يشوفني عم صلي ويدعي معي، أو يشوفني عم ساعد جيراني حتى لو كنت تعبان، بيعرف إني عم أحكي بلغة كربلاء، بس بدون كلمات.
كربلاء علمتني كمان إنه لو الدنيا كلها عم تسقط من حواليك، بس أنت عندك يقين إنك تحت رحمة الله، كل شي بصير أسهل. وأنا، كأب، ما بخاف إذا انهدم بيتي، أو خسرنا أشياء مادية، طالما أنا وأطفالي بعدنا مع الله، وطالما رحمة الله هي غطانا.
أطفالنا هني الجواب.
كل مرة بيوقفوا بوجه الظلم حتى لو كان ظلم صغير بالمدرسة، أو لما يختاروا يقولوا الحق حتى لو كان صعب، هيدي كربلاء مستمرة. والله بالساحة، ورحمته هي اللي حامييتنا.
وصلوا البارحة إلى قريتهم.. أول شيء بحثوا عنه لم يكن بيتهم الذي تدمّر، ولا أرضهم التي احترقت، بحثوا عن جثمان والدهم، ذاك البطل الذي بقي صامداً رغم كل شيء.. حملوه على أكتافهم، كما لو أنّهم يحملون وطناً كاملاً بين أيديهم.. حملوا أغصان الغار رمزاً للنصر، وشتلة التبغ رمزاً للصمود، وكأنّهم يحملون ذاكرة الأرض كلّها..
في وداعه الأخير، احتموا من المطر تحته، وكانت المرة الأخيرة التي مد لهم ظله الحنون، حامياً، كما كان دوماً من قسوة الأيام..
كان المشهد مزيجاً من الوجع والعزّة، فما زالت الأرض رغم كل شيء تُنجب أبطالاً، وما زالوا رغم الدمار أوفياءً للنهج..
الحمد لله الذي أنجز وعده ونصرنا على اعدائنا السلام على الشهداء السلام على الجرحى السلام على المجاهدين السلام على المضحين فضلكم علينا وعلى اولادنا دائم الى يوم الدين
مع اشتداد الحرب بالساعات الماضية وبين مشاهد الدمار وأخبار الشهداء، حسيت بثقل الحرب يلي عم تعصف بحياتنا.
سألتني بنتي الكبيرة: "بابا، ليش في حرب؟"
اتجمّدت للحظة، حسّيت إنه هالسؤال أكبر من قدرتها، ويمكن من قدرتي أنا كمان. كيف بدي أشرح لطفلة إنه الحرب مش بس رصاص ودبابات، إنه هي امتحان إيمان ودرس عميق عن معنى الحياة والموت؟
قلت لها: "حبيبتي، الحرب بتخلّي الناس تفكّر بمين هني، ليش هون، وشو اللي مهم فعلاً. وهي كأنها طريقة تذكرنا إنه فيه رب فوق كل شي، هو يلي بيحكم ويدبّر، وإنه نحن لازم نعرفه أكتر ونفهم إنه إرادته فوق كل إرادة".
رجعت سألتني: "يعني ما لازم نحزن على اللي راحوا؟" جاوبتها بغصة انا وعم اتذكر شهيدنا الأسمى السيد حسن نصر الله : "أكيد لازم نحزن عليهم، بس لازم كمان نتعلم منهم. يلي راحوا ضحّوا كرمال الكرامة والتكليف، ونحنا يلي بقينا لازم نرجع لربنا، نصلح حالنا، ونكون مستعدين دايمًا".
بهاللحظة، حسيت إنه دورنا كأهل ما بيوقف على تفسير الأحداث، بل إنه نزرع بأولادنا شهود الحقيقة يلي بتولد من المحن، نعلمهم إنه الحياة مش بس لعب وأخبار، وإنه البلاء فرصة نعرف ربنا أكتر.
أنا وعم شوفهم قدامي، قلت لنفسي: "إذا كان أقل مكسب من هالحرب إنه نعلّم ولادنا حقيقة الربوبية، وكيف كل شي بإيد الله... بيكون ربنا أنعم علينا بأعظم انتصار".