وأعلمُ أنّ لنا لقاءً في قابلِ الأيّام، يومًا تقَرّ فيه حشاشة صدري، وتقرّ أنت. لا لشيءٍ -غير الأمل- تسرقني منّي إليكَ خيالاتٌ زوّارة، تقول إنّ اللّقاء هُناك، سيبرُقُ فردوسيًّا، فتُجيبني أسئلتي، أَستكونُ شهيدًا؟ أم أنّه حاصل؟ فكلّ الأشواق التّي أحملها بقلبي حنينٌ مُستعر، يُنازعني لحظ غزاه وجدي تجاه السّماء، أتُراكَ فيها نجم؟ فكلّ النّجوم أراها تبرُق بضوءِ الشّوق الذّي تَكَلّم به روحي من غير تُرجُمان، وعند السّجود كلّ ذرّاتي تُناديكَ الشّهيد، فينسِلُ من آثار رحماته أثر أجده في قلبي، ونورٌ مُمتدّ منّي إلى السّماوات الطّوال، التّي يعلم داخلي بأنّها مقرّك، ربّما الآن.. وربّما بعد حين.
أما عداه، فإنّي بشوقٍ.. حتّى نلتقي، فنلتقي، وحتّى ذلك الموعد الذّي أحنّ بكلّي إليه، أنا هُنا.. أنتظر بزوغَ وجهك، لتُبصر السّعد عيني، وتشرق بالهنا روحي. في أمانِ الله، إن كُنت حيًّا مشتبكًا هصور، أو مُتّ مشتبكًا شهيدَ العُبور.. طِب حيثُ أنت. _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
ما سِرْتُ إلا وطيفٌ منكَ يصحبُني سُــرىً أمـامي وتأويـبًا عـلى أثَـري لو حَطَّ رحلي فـوقَ النّـجمِ رافِـعُه وجَدتُ ثَـمّ خـيالًا مـنكَ مُـنتظري.
سلّكَ الله على عينه، وجاورَ قتلاكَ بقتلى نبيّه، لا أوجلَ الله لكَ صدرًا، أو أسكتَ في الميدانِ لكَ صدحًا، بل ثبّتَ بالدّين أركانك، وحَـدَّ بالعِلم أسيافك، آتاكَ الله غايةَ كلّ أمر، وجزاكَ الجنّةَ عن كُلِّ مُرّ، بينَ التُّخومِ قُلِّدتَ النّصرَ وسمًا، والفتحَ عِـزًا وفخرًا ومجدًا، يا فارسَ الصُّبح المجيد، قسّامُ بن نصرٍ تليد.
مازِلتُ عالقةً عنده، صمّامه وِجدانه الذّي أقلّه تجاه الخُلود التّي طالما حلّقَ مع النّجمِ طرْقًا لأبوابها، المشهد يراودني كلّ حين، يسرقني منّي إليه! لله ما أجلّ ثباته لمّا قال: أنّي لها! فسكّن الحزام وسْطه، ثمّ ترجّل ساحه، ورأى الجِنان أمامه، تُرى.. هل اشتمّ نفحًا من ريحها؟ ربّما كانت ريحُ الجنّة مرسالًا خاصًّا قُبيل أن يُستشهد، ربّما كانت سرّه الصّديق السّريع، الذّي أتاه فاستلهَم من عبقه الطّريق، تُرى.. من هُناك استقبله؟ هل حقًّا راح! إن كان حقًّا فلِمَ أشعر به فِـيَّ! أم أنّ هذه كرامة يختصُّ بها الشّهيد! لله درّه، وعلى الله أجره، كم كانَ من أخبارٍ من الدُّنيا، ثمّ آخرها أنْ: مُجاهدٌقسّاميفجّرَنفسهبالجُنود.