(حين ينام الوصل على أريكة البعد)
شطٌّ كبيرٌ بيننا يخطُّ ملامحَ هذا الغياب، فراقٌ لربما باركته يدُ السماء لنستشعرَ حجمَ ذاك الفخِّ المؤدلج في قراراتٍ كان يجب أن تسلكَ طريقًا صامتًا للقلب، هناك حيث كان القربُ مدعاةً للسكون، وقرةً للأعين.
لم يكن لنا بدٌّ في لقاءٍ إلا من خلال التوهُّم، حين نختلسُ النظرة تلوَ الأخرى، لا لشيءٍ إنما لنحتفظَ بها كبذرةٍ للوِجد، وعلى راحةِ ذاك الشرود تزهرُ تلك الأمنياتُ الصغيرة، وتبزغُ من ثغرها ابتساماتٌ طويلةُ الأمد تعكسُ مدى امتلاءِ القلبِ بالمسرّاتِ البعيدة.
شريطٌ من اللحظاتِ القديمة وقعَ في فخِّ الحسرةِ الآن، بينما ينامُ الوصلُ على أريكةِ البعد، ينتظرُ أن يخطوَ كلٌّ منا خطوته الأخيرة. لكن إلى أينَ ومتى؟
هذا ما لا يمكن لنا أن نجزمَ فيه على حدودِ الرغبةِ والتمسك، لأنه وبطبيعةِ الحال، كلُّ شيءٍ يزولُ مع الوقت تحتَ ضغطِ الظروف. وليست الظروفُ وحدها من ترسي تلك الحواجز، إنما الهجرانُ أيضًا يقتلُ كلَّ شيءٍ فينا بالتدريج، لكنه لا يتركُ صورةً أو تراثًا عتيقًا كما هو الحالُ في البيوتِ القديمة، إنما يحدثُ أن يصيبَ اليأسُ جدرانَ ذاك الوصال، ليس عجزًا، إنما نوعٌ من الفتورِ يُستخدمُ كطريقةٍ للاستشفاء من وهمِ التعلق.
بينما أحاولُ التأملَ في دائرةِ الفراغِ هذه، الكثيرُ من الهواجسِ تحاولُ أن تكوّنَ صورةً لما يجب أن أُقدِمَ عليه، وما من شأنه أن يبثَّ الندمَ في عرينِ هذا الحاضرِ المؤسف.
أحاولُ أيضًا أن أجدَ سبيلًا آمنًا يشعلُ فتيلَ الرغبةِ بالاستمرارية، على ضوءِ الحبِّ والسلام، هذا ما لا يمكنُ للقدرِ أن يخططَ له. تعلمين كيفَ يجنُّ جنونُه ذلك الحظُّ العاثرُ إذا ما ضحكتْ لنا الحياةُ ضحكةً، ولو على سبيلِ الهزءِ والسخرية.
يبدو الأمرُ أكثرَ تعقيدًا لمجردِ أن نضعَ على قائمةِ هذا التذمرِ الطفوليِّ - جدًّا بحسبِ ظنكِ - أمنيةً صغيرةً تتركُ على إثرِها حياةً قادمةً صادقةً كلَّ الصدق، لأنه وبطبيعةِ الحال، أشعرُ بأنني إلى الآن أعيشُ جزءًا من كذبةٍ كبيرة، إن لم يكن وهمًا أو تمثيليةً تمهدُ الطريقَ للوصولِ إلى الحقيقة.
حقيقةُ الانتماءِ تلكَ التي تمنحُنا القدرةَ الكافيةَ على الاستغناءِ عن الظلّ، لقد مللتُ العيشَ برفقةِ هذا الصمتِ الذي لا يشبهُني، أريدُ أن أثرثرَ بكلِّ ما عجزتْ أن تشرحه فلسفةُ الواقع، وما حاولتْ أن تخفيَه تلك الغيبياتُ التي لطالما وقفَ العقلُ عاجزًا أمامَها، يكونُ رؤيةً كما تسمحُ له طبيعةُ الأشياءِ بمحدوديتِه التي لن يصلَ معها إلى ثوابتَ مقنعةٍ، لا بالنسبةِ له، ولا بالنسبةِ للعوالمِ الأكثرِ تخيُّلًا..!💥