View in Telegram
في الباص وجدتني عالقا بين شيبة يحمل أشياء كان عليه أن يبيعها وامرأة ستّينية ما زالت عالقة عند أول حلم لها كانا يتجادلان على حسابات الأمس، لابد أنهما يعملان معا و كثيرا ما أقلقني ذلك الأمر، في الصباح لست بحاجة لأن أسمع أي ضوضاء فرط صوتي ولا أي ملاسنة حادة، كان الهدف منها التنصل من أجرة الباص ربما، وذلك ما حدث حين اتضح بأنه لم يدفع أحدهما، في الطريق سألها السائق عن صلة القرابة بينهما، أجابت "هذا صديقي ونحب بعض"، ركزوا قالت صديقي لم تقل زوجي أو أي شيء من ذلك القبيل، وأردفت قائلة: الحب الحقيقي يبتدأ في مثل هذا العمر أما في مرحلة الشباب فالكل يستحوا" هكذا قالتها بهذا المعنى ولهجتها الصنعانية الخالصة كانت أجمل ما فيها، استوقفتني كثيرا هذه العبارة التي أخذتني في شرود أتفحص من خلاله رحلة العمر بكل أطيافه، هل ياترى قالتها لمجرد دعابة أم أن الأمر يسير وفقا لما أرادته سجيتها، ثم شرع ذاك الأمل الذي رزعته في خلدي للتو يناطح ما يسمى سنّ اليأس كفكرة، أي نوع ذاك الحب الذي لا يكتمل إلا عند ناهية المطاف، لابد أن فكرة سنّ اليأس مجردة من المعنى الحقيقي للحب وهي تقتصر على العلاقة الجنسية فقط تلك التي تشيب وتتهشم كلما اقترب المرء من ذاك السن، ثم يبتدأ الحب ينمو ويتكاثر على أشلائها، هكذا بدأت في عمق ذاتي ابحث عن براهين ترسخ الفكرة أكثر، ثم اهتديت لخيط آخر حين كنت أشاهد جدي وجدتي في وقت ما بعد الظهيرة، الوقت الذي تصبح فيه بأمسّ الحاجة لأن تنعم بهدوء وسكينة وشيء من تلك الأحاديث التي تتهادى تباعا لمسامعك كلما طاب لك المقيل، هكذا كان جدي يحب أن يصغي لهمساتها العذبة بكل هدوء دون أن يتركا للضجر أي فرصة يعبث بانسجامهما المجيد، بعيدا عن لهفة الشباب المؤقتة يصبح كل شيء راسخ دون أدنى شك أنذاك، تشيخ الملامح ويذهب الجمال، حينها يبرز المعنى الحقيقي للحب، ذلك الحب الذي لا يشوبه قلق ولا تنتابه هفوة ولا تقتله غيرة أبدا، يجسد أنقى اللحظات وأخلصها وُدّا وحنانا وسكينة. ثم ثاب لي رشدي مجددا لأعود بخلدي أفكر في المرحلة التي أصبحتُ أنا آسن فيها، إن كان الأمر كما أسلفت آنفا ما حاجتي لأن أخوض غمارا آخر لكي أحضى بشيء خسرته في المرة الأولى التي وقعت عليه عيناي ونافس القلب سكناه حتى خالط شغافه واستبد بي حتى إذا تمكن من الروح وجرى الماء فيها مجرى باردا رقراق، انتزع مني فجأة ليتركني قفرا منسي مخيف، وحدي هناك انتحب الأسى تؤرشف الهمدد على خانة الذكريات، ما زلت مندهشا كيف واصلت المسير بكل ذاك الخواء إلا أنه يحدث أن تهظم الحزن وتلوك اليأس قوتا كلما شفّك الشوق وغالبك الحنين لذاك الوصل القديم، وقد يموت فيك ذاك اليأس القاتم على روحك لمجرد أنك رأيت شيء من الأمل يتجسد في موقف بسيط ولأنك بحاجة إلى أن يتبدد لروحك شيء منه تخلق من سناه ألف قصة وسؤال، تخلص إلى نتيجة مفادها أنك لن تعيش دون ذاك الحب الذي كنت تتمناه مهما تقدم بك العمر إلا أنك ستجد رحمته تشمل قلبك وتغمر روحك ببرودته العذبة وهنائته المريحة، بطريقة أو أخرى حتى ذاك المشرد البائس الذي يهيم على رأسه في الشوارع لابد أن يجد نصيبه منه ولو على هيئة ابتسامة لطفل ساخر يكتفي بها كونه لم يجدها وتعزّيه الابتسامة ذاتها لا تهمه تلك الطريقة التي ارتسمت بها بقدر ما تواسيه جمال وقوعها على قلبه، لا شيء يمنع هذا الإنسان من أن يعيش ذاك الشعور مهما كانت النتائج، لعلك لا تحس به إلا أنه يعشعش فيك ويحيط بك بتفاصيله الصغيرة التي لا تدركها من مكانك، وتشعر بها فقط حين تحاول الغور في نفسك على وجه الفكرة وأنت تنظر لكل شيء على أنه جزء منك مهما كانت حدة الألم. في الطريق مرة أخرى نزل كل منهما في سبيله وبقيت أنا وشيء من الأفكار تركتها العجوز تتراكض في رأسي إلى أن استرحت منها هنا بهذه الحروف الواهنة جدا..!💥
Love Center - Dating, Friends & Matches, NY, LA, Dubai, Global
Love Center - Dating, Friends & Matches, NY, LA, Dubai, Global
Find friends or serious relationships easily