قد يحدث أن نندم على إحسان الظنّ بمن يتكشَّف سوء معدنه. وها هنا تلزم التفرقة بين الأخذ بظاهر الناس وإغفال الانتباه – عمدًا أو سهوًا – عن دلائل ذلك الظاهــر. ذلك أن كثيرًا من صفات المرء الأصيلة وأخلاقه الكامنة فيه تعلن عن نفسها في تفاصيل ولَفَتَات، هي القرائن والدلائل التي تخبرك بحقائق الجوهر. لكننا قد نختار أن نتجاهلهــا أو نتكلَّف حُسْن تأويلها لشــيء ما في نفوسنا نحــن، إلى أن يتكشّف ذاك الذي كنا نتجاهله أو نتحاشاه صريحًا آخر المطاف، فيقع منا موقع الصدمة الكاشفة، فنندم على إحسان الظنّ بمن تكشَّف سوء معدنه.
لذلك فشتّان بين من يُحْوِجُك لتأويله والتأوّل له على الدوام، ويُتعِبُك في الجمع بين حسن الظن فيه وسوء الواقع منه، وكلما حاولتَ هضمه عَسُر عليك؛ ومن يَدُلُّك عليه حَالُه قبل مَقَاله. والمعادن الأصيلة لا تُحْوِجُ المتعاملين معها لكثير تأويل، لأنها ناصعة البيان عن نفسها. ولهذا ينبغي أن يُمَرِّن المرء نفسه على التفرقة بين عدم الاشتغال بتخمين النوايا والتفتيش في البواطن في جهة الناس، والأخذ بظاهر التعامل في جهته بحكمة وتُؤَدَة. وبالتالي، لا يقع في فخ الثقة العمياء قبل الخبرة والتثبّت، أو في شباك إساءة الظن فوق ما يتطلب الحرص والحذر.
-هدى عبدالرحمن النمر.