كان اللقاء الأوّل هنا في هذا المعهد
ثمّ تحت جسر حلب
مرورًا بمحافظتي حماة وحمص
ثمّ خُتم في أمويّ دمشق
لأوّل مرّةٍ:
لا أخفيكم، فقد عملت في دورات الانتساب الشرعيّ للمجاهدين مشرفًا تربويًّا ما يقارب الثلاث سنوات، سنوات كانت مزيجًا من الجهد، والعطاء، والتوجيه الإيمانيّ الذي يملأ القلوب رجاءً وثباتًا.
كنت أرى في وجوههم شغفًا للعلم وحرصًا على تطهير النية، وكانت كلماتنا التي نزرعها في قلوبهم بمثابة بذورٍ تنمو بصمتٍ حتى يحين موعد الثمار.
مرت الأيام، وقبل فتح حلب، التقيت بهم مرة أخرى؛ ولكن هذه المرة كانوا في الميدان، بأسلحتهم وهممهم، يحملون في قلوبهم ما زرعناه من الإيمان واليقين، وفي أيديهم ما يعينهم على نصرة المظلوم ودحر الظالم.
كان شعورًا يعجز اللسان عن وصفه؛ شعور الأب الذي يرى أبناءه وقد كبروا على عينه وصاروا رجالًا يشرف بهم.
وما كان أعظم دهشتي عندما كنت أمرُّ بمدينة أثناء تحريرها، فأجد بين الصفوف ثلةً ممن كنت أُعدّهم يومًا، أجدهم ثابتين كالجبل، يرددون كلماتٍ طالما حملتُها لهم في الدروس.
هناك، في قلب الميدان، أدركت أنّ الكلمة الصادقة والعمل المخلص لا يذهب عبثًا، بل يُنبت رجالًا يحملون الأمانة وينطلقون بها.
لقد كان ذلك بالنسبة لي شهادةً من الله بأنّ العمل الذي قدمته لم يكن هباءً، وأنّ الرسالة وصلت وحقّقت أثرها.
فالحمد لله الذي جعلنا من أسباب الخير، ونرجوه أن يتقبل منا ومنهم، وأن يجعلنا جميعًا على درب العزّة والتمكين.