فإنّنا في آيةِ الكرسيِّ نقرأ في وصفِ اللهِ تعالى: {لا تأخذهُ سِنةٌ ولا نوم} فالسِنةُ غيرُ النوم،
السِنةُ: إمّا أن يكونَ المُرادُ مِنها هي هذه الحالةُ التي يضعُفُ فيها الإنسانُ قبل النوم (حالةَ الارتخاءِ ما قبلَ النوم) وقد تُطلَقُ أيضاً على النومِ الخفيف، وهو النومُ الّذي يستطيعُ الإنسانُ أن يسمعَ فيه الأصوات.
بالنتيجة.. سواء كان معنى السِنة هو حالة الإرتخاء قبلِ النوم أو كان معناها النومُ الخفيف.. فالسِنةُ تُشيرُ إلى عدمِ الوعيِّ وعدمِ الانتباه.. تُشيرُ إلى درجةٍ مِن درجاتِ الغَفلة.
فالزهراءُ هنا تتحدّث عن حالةٍ مِن الّلاوعي تمرُّ بها الأمّة
هذه الحالةُ الّتي تَصِفُها الزهراء كانت في الزمان الّتي ألقت فيه خُطبتَها بمحضرِ المُهاجرين والأنصار.. وبقيتْ هذه الحالةُ مِن الغَفلةِ والّلاوعيِّ مُستمرّةً إلى يومِنا هذا.. والحديثُ هنا عن الوسطِ الشيعيّ وليس عن المُخالفين، فموقفُ المُخالفينَ المعادي للزهراء واضح
فهناك غَميزةٌ وهناك سِنَة.. والحديثُ عن السِنةِ حديثٌ عن حالةِ "الّلاوعي"
والمُراد مِن حالة الّلاوعي؛ هي حالةُ عدمِ المعرفةِ بمقامِ فاطِمةَ وعدمِ المعرفةِ بمظلوميّتها،
لأنّ معرفةَ حقِّ الصدّيقةِ الكُبرى لا تقتصِرُ على إقامةِ مجالسِ الحُزنِ والبُكاءِ على مظلوميّتِها.. وإن كانت هذه المجالس مُهمّةً جدّاً ومطلوبةً بكُلِّ أشكالِ الحُزنِ الجزع والصرخةِ والنُدبةِ للزهراء "صلواتُ اللهِ عليها"
ولكنَّ الزهراءَ تُريدُ مِنّا أكثرَ مِن ذلك.. تُريدُ مِنّا في كُلِّ ثانيةٍ مِن ثواني حياتِنا أن نسعى لِطلبِ معرفتِها ومعرفةِ آلِها الأطهار مِن الطريقِ الصحيحِ وهو القُرآنُ المُفسَّرُ بحديثِ العترةِ ومِن زياراتِ أهلِ البيتِ وأدعيتِهم وأحاديثِهم المُفهمّةِ بقواعدِ تفهيمهم
للأسف.. نحنُ اليوم لو تأمّلنا في حالِ الأجواءِ الحُسينيّة مثلاً.. لوجدنا أنّ الخِطابةَ صارت مِهنةً وليست خِدمة! والرادوديّةُ صارتْ مِهنةً وليست خِدمة!
فحينما يخرجُ الشخصُ مِن إطارِ الخِدمةِ إلى إطارِ المِهنةِ انتهى الأمر.. لأنّ بذلك قد دخلنا في دائرةِ الفساد! وهذا هو الّذي يجري على أرضِ الواقع، هذه هي الحقيقةُ مِن دون مُجاملة،
فقد صار الخطيبُ مِهنتُهُ الخِطابة وليست رسالتُهُ الخِطابة لإحياءِ أمرِ أهلِ البيت "صلواتُ اللهِ عليهم"!
وصار الشاعرُ كذلك، والرادود أيضاً،
وحتّى أصحابُ المواكبِ والحُسينيّاتِ صار الكثيُر مِنهم كذلك.. صارت القضيّةُ قضيّةَ مِهنةٍ وشُهرةٍ وتجارةٍ وتحصيلِ أموال!
باتت الأجواءُ الحسينيّةُ تتفتّتُ شيئاً فشيئاً.. وتحوّلت الخِدمةُ لأهلِ البيتِ إلى مِهنةٍ وشُغلٍ وتجارة، بحيث صار معروفاً في وسطِ الخُطباءِ والشعراءِ وفي وسطِ الرواديد ما يُسمّى بـ(الموسم) وكأنّه موسمُ حصاد! فحينما يأتي الموسمُ حينئذٍ تأتي الأرباح!
هذه الأجواءُ هي أفضلُ مِصداقٍ وأفضلُ صورةٍ وأوضحُ مِثالٍ لِحالةِ الّلاوعي الّتي تتحدّثُ عنها الزهراءُ حين تقول: (ما هذه الغميزةُ في حقّي والسِنةُ عن ظُلامتي)
حينما يغفلُ الخطيبُ والمُتحدّثُ الشِيعي عن دَورِهِ الرساليّ (الواجب) في إحياءِ أمرِ أهلِ البيتِ.. وتتجّهُ النوايا والنوازعُ والأهدافُ إلى جهاتٍ أُخرى..فلنتأمّل!