يجب عقوبة كل من انتسب إليهم -أي أهل البدع- أو ذَبَّ عنهم، أو أثنى عليهم، أو عظَّم كتبهم، أو عُرف بمساعدتهم ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم وأخذ يعتذر لهم، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم، والقيام عليهم من أوجب الواجبات.
«أنَّ فاطمة قالت: يا أنس، كيف طابت أنفسكم أن تحثُّوا على رسول الله ﷺ التراب؟ وقالت: يا أبتاه من ربه ما أدناه وا أبتاه جنة الفردوس مأواه وا أبتاه إلى جبريل ننعاه وا أبتاه أجاب ربًّا دعاه»
قال حماد: حين حدث ثابت به بكى، وقال ثابت حين حدث به أنس بكى.
عن سليمان بن الحكم بن عوانة، أنَّرجلا دعا بعرفات، فقال:
لا تعذبنا بالنار بعد أن أسكنت توحيدك قلوبنا، قال: ثم بكى وقال: ما إخالك تفعل بعفوك، ثم بكى وقال: ولئن فعلت فبذنوبنا، لتجمعنَّ بيننا وبين قوم طال ما عاديناهم فيك.
والمقصود بيان ما في الزنا واللواطة من نجاسة وخبث أكثر وأغلظ من سائر الذنوب ما دون الشرك، وذلك لأنها تفسد القلب وتضعف توحيده جداً.
ولهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركاً، فكلما كان الشرك في العبد أغلب كانت هذه النجاسة والخبائث فيه أكثر، وكلما كان العبد أعظم إخلاصاً كان منها أبعد، فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين.
تَزَوَّجَ جبير بن مطعم رضي الله عنه امْرَأةً ولم يَدْخُلْ بِها حتى طَلَّقَها، فقرأ: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}، فَأرْسَلَ إلَيْها بِالصَّداقِ تامًّا فَقِيلَ له في ذلك فَقالَ: أنا أوْلى بِالعَفْوِ منها.
والآلام والمشاق إما أن تكون إحسان ورحمة، وإما عدل وحكمة، وإما إصلاح وتهيئة لخير يحصل بعدها، وإما لدفع ألم هو أصعب منها، وإما لتولدها عن لذات ونعم يولدها عنها أمر لازم لتلك اللذات، وإما أن يكون من لوازم العدل، أو لوازم الفضل والإحسان، فيكون من لوازم الخير التي إن عطلت؛ عطلت ملزوماتها، وفات بتعطيلها خير أعظم من مفسدة تلك الآلام.
فإذا علم المُصَاب أنه لو فتَّش العالم، لم ير فيهم إلا مبتلى، إما بفوات محبوب، أو حصول مكروه، فسرور الدنيا أحلام نوم، أو كظل زائل، إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا، وإن سرت يوما ساءت دهرا، وإن متعت قليلا منعت طويلا، وما ملأت دارا حبرة إلا ملأتها عبرة وما حصلت للشخص في يوم سرورا، إلا خبأت له في يوم شرورا.
قال ابن سيرين: ما كان ضحك قط إلا كان بعده بكاء.
فما ضمنه الله على الصبر والاسترجاع، أعظم من المصيبة في الحقيقة، والله أعلم.
وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو؛ لأن تبليغ السهام إلى نحور العدو يفعله كثير من الناس وأما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وكرمه.