6- ليس العلم بمسائل فقط، إنما له تجربة ومعالجات لا تتأتَّى إلا بتطاول السنين، وقف اليوم انظر لنفسك أخي قبل عامين مثلًا تجد ما تأنَف عن مثله اليوم من فكرٍ أو قولٍ أو فعل، فكذلك اعلم أنك تكبر عن هذه السنِّ فتنظر لمنتوجك اليوم بنفس النظرة، وأيقن: أن في (الأداء) قواعد تُعمَل ومصالح ومفاسد وكذا وكذا يعجز عن تحقيقها الشباب لافتقارها لطول العمر، وأنتم تنصحون من لم يدلف للساحة بعدم الإدلاف حتى يستكمل بناءه، فلا تنظروا لواقع إدلافكم بأنه مفروضٌ عليكم، بل على أنَّ عليكم مجاهدة المحيط حتى الإنسحاب، كما قلت أنتم أخي في صوتية (زبَّبت وأنت حصرم): يبدأ ينسحب شيئًا فشيئًا..
.
الخلاصة وبيت القصيد:
نَعِيشُ عِوَزًا حادًّا للعلماء
وقـد كانوا إذا عُـدُّوا قليـلًا ... فقد صاروا أقلَّ من القليلِ!
ومن ينظر لحالكم يؤمِّل فيكم خيرًا ولغدكم وغدِ الأمة بكم أملًا، أنتم تنفعون الناس نفع الله بكم، ولكن انظروا لعلَّ هذا المقام المفضول، ولعلَّ ضرب الحصار اليوم وتخرجون للناس غدًا هو المقام الفاضل وأولى بكم وأرضى عند مليككم وأرفع لدرجتكم وأنفَع لأمتكم، ولا يكاد الواحد يرى شابًّا يطلب العلم بنفسٍ نحسبها زكيَّة وعقل ذكيٍّ إلا ويروم له سلوك الجادَّة الحقَّة ومعرفة كيف تؤكل الكتف؛ لِمَا تحتاج الأمة لمثله، وإنما بهذا ينال العلم (الزكاء + الذكاء)، ونحسب كلا الأمرين فيكم ولا نزكيكم على الله، ولأجل هذا أكتب ما أكتب هنا، وقد ذكرت أني تشجعتُ لذلك بعد صوتيتكم (ماذا بعد البكاء؟!)، وإلَّا: فمن شباب الهُدَى من يرومُ أن ينال من العلم ما أمكنه وينتفع به وينفع دون أن ينصرف همُّه لبلوغ أعلى المراتب فيه (مرتبة العلماء الربانيِّين، مرتبة {الذين يستنبطونه منهم}..)، لكن لما قلتم: هل نكون أهلًا لسدِّ الثغر بعد موت أولئك العلماء، علمتُ أنَّ فيكم لذلك تطلُّعًا وهمَّةً، فانسجوا السير على منوال تطلُّعِكم، بسحب أنفسكم من الساحة اليوم والعمل عليها تحمُّلًا حتى تنبُت فتبرز للأداء غدًا، وغدًا تحمدُ بهذا السُّرَى، واثبتوا لا يكونَّنَ الحال: لا الجملُ ولا خُفَيّ حُنيَن!، غيبوا اليوم هِلالًا واطلعوا على أمتكم غدًا بدرًا تكامَل..
«كان أحدهم -أي السلف- لا يجلس هذا المجلس -مقام التعليم- حتى يطلب هذا العلم ثلاثين سنة» سفيان الثوري.
أنتم أدرى أخي الكريم بأنفسكم، وحالكم، وآمالكم، وتطلُّعاتكم، وأوقاتكم، وإنما فقط قلت ما قلتُ بما رأيتُ من ظاهر الحال، وبما نؤمِّل فيكم وللأمَّة منكم.. فما كان من صوابٍ فمن الله، وما كان من خطأٍ فمن نفسي والشيطان، والله من وراء القصد..
وأسأل الله العظيم أن يأخذ بأيديكم إليه أخذَ الكرام عليه، ويجعلكم من العلماء الربَّانيِّينَ أئمة المتقين..
.
وأحبُّ أن أدع لكم محاضرة، أرجو منكم سماعها بتركيز شديد نفعكم الله بها.
https://youtu.be/wzxb-Bz9a7k
انتهى.