جاء في شرح الحديث: " ووَجهُ التَّمثيلِ: أنَّ المَرْءَ كما يَتدَنَّسُ بالأقذارِ المَحسوسةِ في بَدَنِه وثِيابِه، ويُطهِّرُه الماءُ الكَثيرُ، فكذلك الصَّلواتُ تُطهِّرُ العَبدَ مِن أقذارِ الذُّنوبِ، حتى لا تُبقيَ له ذَنْبًا إلَّا أسقَطَتْه وكَفَّرتْه، ما اجتُنِبتِ الكَبائِرُ ".
" من أدركه الضَّجَر من قوّة التّكاليف، وأعباءِ الأمر وأثقالِه، ولا سيّما فيمن أُقيمَ مقامَ التّبليغ عن الله، ومجاهدةِ أعداءِ الله وقُطّاعِ الطّريق إليه، فإنّ ما يحمله ويتحمَّلُه فوق ما يحمله النّاسُ ويتحمّلونه، فلا بدّ أن يُدرِكه الضَّجَر، ويضعُفَ صبره. فإذا أراد الله أن يُرِيحه ويَحمِل عنه أنزل عليه سكينته ، فاطمأنَّ إلى حكمه الدِّينيِّ وحكمه القدريِّ، ولا طمأنينةَ له بدون مشاهدة الحكمين، وبحسب مشاهدتِه لهما تكون طمأنينته. فإنّه إذا اطمأنَّ إلى حكمه الدِّينيِّ علمَ أنّه دينه الحقُّ وهو صراطه ، وهو ناصره وناصرُ أهلِه وكافيهم ووليُّهم. وإذا اطمأنّ إلى حكمه الكونيِّ علمَ أنّه لن يصيبه إلّا ما كتب الله له، وأنّه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فلا وجهَ للجزَع والقلَق إلّا ضعفُ اليقين والإيمان. فإنّ المحذور المَخُوف: إن لم يُقدَّر فلا سبيل إلى وقوعه، وإن قُدِّر فلا سبيلَ إلى صَرْفه بعد أن أُبرِم تقديره. فلا جزع حينئذٍ، لا ممّا قُدِّر، ولا ممّا لم يُقدَّر.
نعم إن كان في هذا النازل حيلةٌ فلا ينبغي أن يَعجِز عنه، وإن لم يكن فيه حيلةٌ فلا ينبغي أن يجزعَ منه. فهذه طمأنينة الضّجر إلى الحكم ".
يسعد المرء لو عَمِل بما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه، قال: "أخذ رسول الله ﷺ بمنكبي، فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل. وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك ".
فما إن يمرض الإنسان إلا ويتمنى لو كان استغل وقت صحته حق الاستغلال، وما ذلك إلا نموذج مصغر جدا لما سيكون بعد الموت من الندم على عدم استغلال الحياة في عمارة الآخرة..
" أعيذك بالله من أن يسع وقتك كل شيء، ويبقى حظك من صلاة الليل -لا شيء-. أعيذك بالله من أن تعلم أن من سعة فضل الله على عباده، بأن رخّص لهم بصلاة الوتر والنوافل جلوسًا ولو بلا عذر، ثم تتركها أنت بلا عذر ".
هذا أكثر موقف يُبكيني في السيرة النبوية؛ أتخيل فيه حزنه ﷺ، وصعوبة الموقف، وضيق الأرض بما رحُبت عليه، وألم تكذيب الناس له، وهو الذي لا يريد منهم جزاءً ولا شكورًا، وإنما أراد هدايتهم وإنقاذهم من النار. ثم يلاقونه بما لاقوه من إخراج وأذية، وبذاءة قول وفعل، وتكذيب، وهو الذي لم يكذب فيما دونها ﷺ، فكيف بها!
قالت عائشة رضي الله عنها للنبي ﷺ: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: "لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، وإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين. فقال النبي ﷺ: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ".