الرسالة 2
عزيزتي ريتاج
سأكون صادقا معك، واضحا كالشمس وصارما كرصاصة، ريتاج العزيزة أود أن أقول لك، إن الحياة ليست حكرا لأحد، إنها لنا جمعيا، وغريب أن تهربي من قسوة الحياة إلى ما هو أقسى منها وأشد، أن تتركي الفضاء الطليق لتثوي في حفرة صغيرة ضيقة، هل تتصورين معي معنى أن يهال عليك التراب؟، هل تتصورين معي فضاعة أن تصبحي وحيدة في حفرة تحت الأرض؟ غريب مرة أخرى عزيزتي ريتاج أن تعتقدي أن الموت هو أهون الطرق لإنهاء المأساة، غريب أن تفكري أن المأساة ستنتهي إن أغلقتيها بالانتحار، كلا، ليس الأمر كذلك يا عزيزتي، فالحياة أصعب من أن تنتهي بالموت، الحياة ستظل وستظل حتى وإن أطلقتي النار على نفسك، حتى وإن ألقيتي بنفسك من الطابق التاسع، لن تغادر الحياة روحك، جسدك فقط الذي سيذبل، وقد لا يذبل للأبد، قد يظل فيه أمل قوي للحياة فيقضي بقيتها في المستشفى أو مقعدا في سرير البيت عالة على سواه بكل المعاني، الانتحار ليس حلا عزيزتي ريتاج، فتعالي معي لنتحدث قليلا، أعرف أنك مثقلة بالوجع، أن قلبك حزين لدرجة لا تحتمل، أشعر جدا بروحك الكئيبة حد التفكير في المغادرة، أعرف أن أيامك رتيبة، وجدول أعمالك ثقيل جدا، أعرف أنك لا تتقاضين راتبا مجزيا، أعرف أنك تعانين من الاكتئاب، صدقيني أنني لا أبالغ إن قلت لك أنني أعرف كل شيء عنك وأشعر بكل شعور، ليس لأني خارق الإحساس، أو لأني صديقك المفضل، أو لأي سبب آخر قد تتوقعين أنني أدعيه، كلا يا عزيزتي، إنني أشعر بكل ما تعانينه لأنني أساسا أعاني من ذات الوضع الذي تعيشنه، كل الجراح التي التهمت قلبك، هي ذاتها من أكلت قلبي، كل المآسي التي تعيشينها، أنغمس كل يوم في أدق تفاصيلها، مثلك أنا تماما أشعر بالحرمان والاكتئاب الشديد المصحوب بالأرق، مثلك أنا أبذل عشرات الساعات بل مئات في عمل لا تكفيني عائداته لشراء وجبة جيدة، أو قضاء يوم سعيد خارج البيت، ومثلك أنا أيضا فكرت في إغلاق هذه المأساة بالانتحار، ولكني تذكرت بشاعة الموت، تذكرت ألمه وهول وقعته وعمق جرحه للروح، تذكرت كل شيء يتعلق به، ففررت منه ثانية إلى الحياة، ممسك بها كأغلى ما أملك، وها أنا أعيش، ها أنا أربي أملا جديدا في ذاتي لأعيش من أجله، صدقت ألبير كامو وهو يجزم أنه يجب في النهاية أن تتغلب عزيمة الحياة على عزيمة قتل النفس، وها أنا أحاول الاستمتاع بالوجع، إن الفكرة التي اعتقد أنها غائبة عنك هي فكرة الاستمتاع بالحرمان، فكرة مؤاخاة الأحزان، فكرة مرافقة الوجع ومصادقته، فكرة الجلوس في حضن التعب، مداعبته، اتخاذه رفيقا وصاحبا برضى تام، إن الوجع أحن بكثير من الفرح على أرواحنا، إنه صديق لطيف، ليس كذلك المجنون والبشع في مظهره وهو يرقص ناسيا أحزان العالم، والحياة كما نعرفها نحن بوجعها يعرفها غيرنا، الحياة حزينة منذ أن سال دم هابيل، الحياة لنا أو لغيرنا مليئة بالاكتئاب والوجع، وكل بني البشر يعانون ذلك، ولكن الفرق بينهم أن ثمة من يستطيع أن يؤاخي هذه الكوارث الحياتية فيتأقلم معها ويخفيها ويعيش، وثمة من يتركها تعبث بحياته فتقضي عليه، ويجب أن نقف مع النوع الأول لأن الحياة للأقوى، لذا ها أنا آخيت الحزن، واستعدت الأمل في الحياة، ووجدت أن ثمة أسباب كثيرة للحياة، ثمة أوراق لم تسقط بعد، ثمة أمل دائما يخلق من عمق الظلمة، فقط يجب علينا أن ندقق النظر، في نهاية النفق ثمة نور ينتظر، في نهاية المطاف ثمة أصدقاء كثار ينتظرون ابتسامتنا عند الوصول، ثمة أب يعول على ابنته ككل الحياة التي يحب أن يراها، ثمة عائلة قد لا تكون الأفضل في العالم ولكنها في كل الأحوال الأمان والصدق والحنان، ثمة الكثير يا عزيزتي ريتاج، يمكننا الاستناد عليه لمواصلة الحياة، ثمة إحساس غامض في القلب، يجب أن ندعه يكمل مجراه؛ لأن اللذة كل اللذة في نهايته.
عزيزتي ريتاج
صدقيني أن الأمر أسهل بكثير مما تتصورينه، فقط إحساسك المبالغ بالمشكلة هو ما يدفعك للتفكير في إنهاء الحياة، وإلا فإن المشكلة في ذاتها مهما كانت وكيف كانت وعلى أي حد بلغته من التعقيد والتشظي، فإنها مشكلة سهلة وسنجد لها حلا، المال سيأتي، السعادة أيضا ستأتي، الغباء الوحيد هو اليأس، انعدام الأمل، إنه تماما كفقدان البصر، لا يدع الإنسان ليرى في حياته شيئا مهما، لا يتركه ليرى شيئا يستحق البقاء، اليأس يا عزيزتي ريتاج هو عدونا الأول، لا مشاكل الحياة ولا ظروف العمل، ولا الحرمان، ولا الغربة الاجتماعية التي نعيشها، اليأس هو عدونا اللدود، كيف نهزمه إذن؟ بالنظر مجددا في الحياة، بالتأمل في الواقع بإنصاف، سنجد أن ثمة الكثير من الأشياء التي تستحق أن نعيش لأجلها، قبل كل ذلك، نحن نستحق أن نعيش لأجلنا، نستحق الحياة مثل كل البشر، لماذا نتخلى عنها بسهولة، وقد جئناها بأصعب الطرق، صرخات أمهاتنا عند الولادة كفيلة بأن تجعلنا نحافظ على هذه الحياة كأغلى ما نملك.