فجأة تكتشف أنك لم تعد ذلك الطفل اللاهي والخالي من هموم الحياة،
فجأة ترى نفسك في مكان آخر،
لم تعتده كثيرا،
مكان ليس مزدحما ولكنه مليء بالمشاعر المختلفة، تأتي من كل الجهات، تتساقط من هنا وهناك،
ثمة نظرة حزينة ترقبك، ثمة صديقة قديمة للتو تذكرت، ثمة أخرى تبكي لأنها صادقت الطفل فيك وظنت أنه لن يكبر، ثمة عاشقة صغيرة تريدك دائما أن ترعاها أنت فقط، ثمة صديق حزين كنت فرحه الوحيد ولا زال هناك ينتظرك، ثمة أغنية تريدك أن تبكي معها كعادتك، ورواية أخرى لم تُكتب بعد تريدك أن تصغي لأحداثها، ثمة أسئلة كثيرة تريد إجابة شافية منك، ثمة مشاجرة قديمة بين قلبيين اعتاداك حكما لطيفا وليس قاضيا، ثمة خلاف قديم على معنى الأخوة والقرابة ومعنى الأرض في قلوبٍ تحبها جميعا، ثمة أصدقاء كثر بكيت معهم آخر مرة على الإنسان والان وحدك تبكي الجميع بصمت، ثمة أصدقاء آخرون وكثر أيضا في شفاههم الكثير من اللعنات التي تقصدك أنت فقط، ثمة إنسان يريد أن يغادر الآن فقد ضاق بالمكان ولم يزل في السابعة عشر.
تحاول أن تمسك بكل هذا وتصنع منه مشهدا جميلا لا يجرح أحدا، ولا يؤذي.
تحاول أن تسد الخلل الناتج عن ثقب قديم في شجرة العائلة، تحاول جيدا بكل ما تستطيع، لا تريد ثقوبا أخرى، تتحاشى المجابهة والاصطدام، تزهد في الكثير من اهتماماتك، تقدم الكثير من الصمت الذي لا يجب لكي لا يُساء فهمك، تقدم الكثير من الرضى لأنك تحب الجميع بقلب أم.
لا تهمك الخسارة، كل ما يهمك قلوبهم فقط،
يجرحُك عتبُ العيون ولو كانت عابرة، يجرحك أن تُكْتَمَ كلمةٌ في قلب كان يود أن يقولها ولم يستطع، يجرحك الصمتُ، حين تسمع الكلامَ من العيون.
تود أن تساعد الجميع، يهمك الجميع، ووحده قلبك الغارق هناك في الوجع، وحده قلبك الذي يبتسم دائما ويمد حبه لهم بلا انقطاع، يداوي كنبي، ويخشى أن يبكي أحدهم، مع أنه يبكي وحيدا بعد منتصف الليل، مع أنه يذوي ويشيخ مبكرا ويفقد عينيه يوما بعد يوم.
أشجان عالقة في صدرك، لا تحب أبدا أن تتخلص منها، إنها منك، كيف يترك القلب جزء منه؟!
أسئلتك الأصيلة التي لا تنساك تحملها أيضا وتحبها كحبك لهم،
وشغف قديم بالليل والأغاني والروايات ما يزال باسقا في أعماقك.
وبكل حرص تود أن تظل كل هذه الأشياء بخير مهما دفعت مقابل ذلك..
زندان التهامي