أهلًا يا عالمي الذي فارقتُه لكنه لم يفارقني، جزءٌ منك ينخرُ في رأسي كُلما سهوت!! وأحسّ بلوعة الإشتياق ليوم كنتَ فيه ملجأي .. هأنا اليوم أعود .. بخطاي الثقيلة، ورأسي المخدّر وعقلي المشوّش، وأفكاري التي اعتدتَ أن تسمعها .. لقد مرّ الوقت .. والأيام تضاعفت وتضاعف الثّقب بين ما أنا عليه وما أشعر به.. لا زال في داخلي بكاء طفلة وحنين ُ مراهِقة .. وشوقُ إمرأة .. وبريقُ أمل .. أن أجد يومًا سلامًا غير مُلطخٍ بالقلق وفرح لا تشوبهُ التساؤلات .. 🤎🦋
تعوّدت السهر، حين كان لدي أصدقاء، وحين كان النوم بالنسبة لنا مضيعة ٌ لوقت سنقضيه بالكثير من الضّحك، وحين كنا نتشارك الكثير من الأحاديث الصاخبة بالضحك أو البكاء، ولم يكُن الهمّ كبيرًا حين كنا نتقاسمه كتفًا بكتف، ترك الليل أثرًا على عيوننا، وانطبع بنا حُب السهر، وتركتنا الليالي نعتاد هذا الحديث والهرج، ولم تُخبرنا بأن الأصدقاء سيكبرون، وبأن الأيّام ستصبح أكثر جِدية، وبأن الرفاق ستأخذهم الحياة لمسؤولياتهم الحقيقة، وسنعيش معًا لكن بوقت أقل بكثير من الماضي، وسنختطف الأحاديث بسُرعة قبل أن نكمل تتبع حياتنا الممتلئة بالأحداث، وسيُصبح الليل أقصر مما مضى، وسيصبح الهم أثقل بكتف واحد . ✨
تلك الليلة التي نزفتُ فيها دمَ عُمري الأحمر، وظهرت حقيقة الأشياء في عقلي بلا تزيِيف أو تجميل، وبكيت وأنا التي لا تبكي ! .. وأصبت بعدها بضعفٍ لم أعهدهُ في نفسي، أما قالوا بأن الصدمات تُقوّي!! لكنني فقدتُ كل قواي فجأة ورأى الجميع هشاشتي، وفقدتُ جزءًا مني كان يحفلُ بالحياة، أخذتني الحياة على غفلة مني، بينما كنتُ أملأ حياتي نورًا مزيفًا كُشف الزيف فجأة بلا مواعيد، وكان صعبًا علي التخطّي . . -هُدى عبويني
لم تستطِع يومًا أن تعرف ! كيف يعملُ نظام الوقت هنا، فالوقت بطيء عند الحُزن كما لو أنه على ظهر سلحفاة، لا يمُر إلّا عندما تفرغ كل ألمها على البطانيات، بهيئةِ كُحل مفارق لجمال عينيها، مُلطخًا بياض أقمشتها، وحين يمُر الوقت بهذه الأشكال، يأتي الفرح على جناح فراشة سريعة، مُتخبّطة، لا يعرف الإستقرار أو الهبوط، يتخبّط في الأرجاء كما لو أنه لا يستحق التأني، ويذهب سريعًا، فيحتلّ الظلامُ عالمها هُنا، ويستقرّ كملك على عرشِ حياتها ويأبى أن يمُر !! ✨ .
لا شيء .. سوى شحوب، كدخان الموقد .. وبردٌ لاسع، وهواء .. وخواء ! أرقٌ ينخر الرأس، والصدمات تتوالى ولكن القلب عاطل عن العمل .. بلا تفاعل يعيش هذه اللحظات، بلا دوافع .. بانتظار سخيف وروحٌ خامدة كالسحِم .. نسي الترقّب هذا العقل، فكل شيء مُكرّر، الكلام اللاذع .. يتكرر ! الشروخ ذاتها .. بنفس الأماكن ! النارُ تندلع بنفس اللهيب ولكن الفؤاد خبى، ما عاد يغلي ! ..
مضت أيّام طويلة، خالية، ولعلها كانت مليئة .. لستُ أدري ! أم لأنّ الخواء يأكلني لم أعد أشعر بوجود الأشياء من حولي .. قلق؟، ربّما .. هي وحشة تجاوزت الصدمة .. لم يعُد يعنيني كيف يسيرُ العالم، ولم تعد توقظني على صلاة الفجر العصافير، فأنا لم أنَم .. حنين! لا أظنّ .. فمشاعري تجاوزت الخيانات، وما عادت تتأثّر .. حزنٌ ربما .. وإن كان فهو طاغٍ .. يسرقني بهدوء نحوه ! كعنكبوت خسيس يترصد فراشة يافعة .. والغريب أنني أعرف نواياه! ولكنني كالمغيّبة.. نحوهُ أمضي !
هل أتيت ؟ للداخل، للداخلِ جدًا .. لدرجةٍ عميقة! حيثُ انتشر السّواد وأصبح هذا موطنه ! وتُرَى عمّ تبحث ؟؟ .. عن أي شيءٍ تريدُ إزاحة الغبار ؟؟ .. عن أي أمرٍ تريد البحث في الرّكام ؟؟ .. وهل سيُجدي بحثك ! أترى .. هل سينفع أن ننبشَ أحزانًا مضت!! هل سيشفيها الضوء ؟؟ .. أم أننا سنجبُن، ونتركها على حالها من جديد ؟ .. وهل سنمضي بعد أن تذكرناها كما كنّا نمضي سابقًا، أم سنقف طويلًا ! هل سنبكي، هل سنرثي ؟ هل سننامُ بعد أن أزكمت قلوبنا رائحة الحريق !!