معذرة على الإطالة، لكن ما تمليه ضرورة المرحلة ..
أنا متفائل بمستقبل سوريا لأنني أنظر للهيئة أنها دخلت في طور التحول من حالة الكيان إلى عقلية الدولة،
التحول من كيان إلى دولة ليس مجرد احتمال نظري، بل هو حتمية تفرضها قوانين التاريخ والسياسة..
عندما ننظر إلى هيئة تحرير الشام اليوم، نرى كياناً بدأ بالفعل رحلة التحول من كيان في بقعة جغرافية لها خصائصها الثقافية التي تشكّلت بعدة عوامل -لا يسع المقام لإفرادها- إلى كيان سياسي يسعى لإدارة مجتمع كثير التنوع، والانفتاح على العالم الخارجي، وبناء علاقات دولية ..
الهيئة كانت حالة ما دون الدولة تعتمد في شرعيتها على الصراع والعنف بعامل الثّورة السوريّة بالتأكيد، بينما تجد نفسها اليوم أمام تحديات مختلفة تماماً، وهذا التحول بدأ وتشكّل في إدلب بالمناسبة ومنذ سنوات، ولكنه يتسارع اليوم بشكل أكبر حينما انتقل الحكم لكامل سوريا .
الحكم لدولة يعني مواجهة مطالب الناس اليومية، بناء مؤسسات، وإدارة الاقتصاد، وتقديم الخدمات، الحكم يعني التعامل مع مجتمع لا يمكن إخضاعه بالكامل بالقوة، خاصة عندما يكون هذا المجتمع مليئ بالتنوع الديني والثقافي والاجتماعي، بل حتى الجغرافي والتضريسي، لذلك منطق الثورة لا يمكن أن يستمر في هذا السياق، هذه حقيقة تعلَّمتها حركات مسلحة كثيرة عبر التاريخ، والأمثلة تكاد لاتنتهي بهذا الصدد، وحتى السيد أحمد الشرع نفسه يعلم ذلك جيداً وقالها بأكثر من مناسبة..
أحد أبرز التحديات أمام هيئة تحرير الشام اليوم هو الانفصال عن إرثها القديم ككيان مسلَّح #متَّهم بالتشدّد والانغلاق، لكن هذا الانفصال لن يتحقق إذا تمت مواصلة مقاومتها ومحاولة إسقاطها، على العكس؛ مقاومتها تعني دفعها أكثر نحو عقلية الدفاع والانغلاق باللاوعي، فالتنوّع الذي يُنادى به يحتاج مصداقية في الدَّفع والمساندة، لا التَّلويح بعصى الماضي وثقلِ أعباءه، فإذا أردنا أن نشهد تحولاً حقيقياً فعلينا أن نكون جزءاً من هذا التحول وأن نساعد في دفع الهيئة نحو عقلية الدولة؛ دولة تتناسب مع هذا الكم الكبير من التنوّع ..
أما بالنسبة للفيديوهات أو الأحداث القديمة التي يتم نكشها من أرشيف الهيئة، مثل فيديو إعدام امرأة بتهمة الدعارة، فهي جزء من مرحلة التَّشكّل التي تعود ربما لعقد كامل من الزمن، أي مرحلة سبقت تحول الهيئة إلى كيان سياسي يسعى للحكم، لذلك لا يمكن محاكمة كيان في طور التحول بناءً على أفعاله في مراحل سابقة..
دور المثقفين والمفكرين اليوم، ليس في مقاومة هذا التحول؛ بل في تسهيله، المقاومة ليست الحل -قطعاً- المقاومة تعني دفعهم أكثر نحو الدفاع، أما الدعم المشروط، والنقد البنّاء فهما ما يمكن أن يدفع الهيئة نحو الانفتاح، وبناء دولة حقيقية تستوعب الجميع ..
#أحمد_سويدان