كنّا نتحدّث مرّة فقلت: يجدر بالإنسان ألّا يعرض حزنه للمارّة وأن يضنّ به عن كلّ غريب أو قريب، فإنّ النّاس لا تعدو اثنين: محبّ مشفق، أو مبغض شامت، فليصمت ويخبّئ في صدره كلّ حاجة ولا يريها غيره، فإنّه أكرم من أن يحزن محبّه، وأذكى من أن يسعد عدوّه، ثمّ إنّه يترفّع عن نظرات النّاسِ له بالرّحمة والإشفاق، وإنّ النّاس تعرفك من مظهرك وقلّة مَن يعرفون مخبرك، وقد خبرت من يبسم حتّى يظنّ النّاس أنّه أسعدُ خلق الله جميعاً، وما علم أحد ما في قلبه، وكان ينشر السّرور في النّاسِ وهو أقلّهم نصيباً منه، فخُيّل إلى مَن حوله أنّه لا يألم ولا يتأثّر، ثمّ صارت الأيّام تنازعه ثوب الجلد هذا، ولا تحبّ أن يظهر للنّاسِ سليماً من لدغاتها المتتالية، فتغالبه على نفسه لينفث نفثات سريعة ثمّ يجبر النّاس على غضّ طرفهم عنها إذ يتبعها بالحذف السّريع، ويستبدل بالنّفثة فائدة أو طرفة، ولا يعلمُ من البشرِ حالَه إلّا ذكيّ حاذق،
فلمّا قضى قال النّاس: مضى سعيداً
أذلك خير أمّن مات فقال النّاس: قتله همّه!
وإن كان كلاهما قتله الهمّ...
_إذن تفنّدين رأي مَن قال: ولا بدّ من شكوى إلى ذي مروءة؟
_يتابعه العقل عليه، ويأباه القلب الأبيّ!