قيل للحسن البصري: إن فلاناً لا يعظ ويقول: أخاف أن أقول ما لا أفعل؛ فقال الحسن: وأينا يفعل ما يقول؟ ودَّ الشيطان أنه ظفر بهذا، فلم يأمر أحد بمعروف ولم يَنْه عن منكر.
روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن حذيفة بن اليمان قال : لَيَأتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَنْجُو فِيهِ إلَّا الَّذِي يَدْعُو بِدُعَاءٍ كَدُعَاءِ الغَرِيقِ. وروى أبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان عن محمد بن يوسف بن معدان قال : الدُّنْيَا عِصْمَةُ اللهِ أوِ الهَلَكَةُ ، وَالآخِرَةُ عَفْوُ اللهِ أوِ النَّارُ.
(وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) أي: إذا لم يحكموا بحكم الله سبحانه وتعالى، ويأخذون الخير من كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا جعل الله الشقاق والعداوة والتنافر بينهم. ولذلك فإن من يحاول لم شتات العالم الإسلامي بغير كلمة التوحيد فإنما يحاول مستحيلا؛ لأن هذه الأمة لن تجتمع إلا على دين الحق، ولن تتوحد إلا على كلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، يقول الله تعالى: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} (البقرة: 137)، وهذا الشقاق سيبقى ما بقي الإعراض عن دين الله عز وجل وتحكيم شريعته، حتى يرجع الناس إلى دين ربهم جل وعلا.
(ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم) وفيها تحذير من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته من نقض العهد والميثاق، وعاقبة ذلك أن الله يسلط عليهم عدوا من غير المسلمين، فيأخذون بلاد المسلمين، أو يتحكمون في مقدرات بلاد المسلمين وثرواتهم. ولا يقتصر الأمر في ذلك على نقض العهود والمواثيق بين الناس، بل يدخل فيه ترك ما أمر الله عز وجل به وارتكاب ما نهى الله عنه.
(ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا) يشير النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن منع الزكاة وعدم إخراجها أو التحايل على ذلك، تكون عقوبته العاجلة هي منع القطر عنهم، ولولا وجود البهائم ما نزل عليهم المطر من السماء؛ لأنهم لا يستحقونه، لكونهم لم يخرجوا حق الفقراء في مالهم. وهذا يوضح سبب الجدب الذي ضرب أطنابه في الأرض، رغم أن الناس يستسقون ويستغيثون الله عز وجل ويطلبون منه المطر، وما ذاك إلا لأن الناس صاروا يتهاونون في إخراج زكاة أموالهم، وحينما يبخل الناس بالزكاة فإن الله تعالى يمنع عنهم المطر، الذي هو وسيلة لحياتهم، ولولا رحمة الله عز وجل بالبهائم ما أمطرت الأرض أبدا.