"مَن يَحمِلُ كَونًا داخل صَدره، لا يَعرِفُ الرّاحة!"
وصاحب الهِمَّة يُتعِبُ مَن معه! يُحَرِّك مكامن النَّفوس، يوجّه البوصلة، يركب فُلكًا من محاولة، يُشغِلُ السّؤال عقله، ويُتعِبُ في سبيل الإجابة ألف جسد! الحُصول لا يعني الوصول، فما إن حَصَّلَ غايةً إلَّا وتاقَ لغايةٍ أعظم، ليس بعد؛ هناك دائمًا خطوة.
حُلمُه يؤرّقُه، نَفسُهُ تُحرِقُه، خُطاه مدروسة، تفاصيله مدهشة، كأنّما يَحيكُ بصَدره فِكرَته، يَلوذ بالصَّمت فيشتعل، يفتقد الكَتف فيَدمَع، يَحِنّ للصَّادِق فيَأمَل، يبحث عن الوَتين فيجتهد، يعيش وريدًا لِمَن رآه، هادئًا لِمَن جَفاه، داعيًا لِمَن خالَفَه، أسَدًا على مَن شَكّ يَومًا بمساره! نفسُه تَوّاقة، روحُه مشتاقة، شعلة لا تنطفئ، يستقي من القرآن نَفَسًا يُثَبِّتُه
أولئك الذين بَنَوا في صُدورهم كَونًا يَحمِلون داخِل الكَون قلبًا، وأُمَّة.
علمًا وعملًا، والاهتمام بمشروعك جيدًا، لن يرفعك، تحتاج إلى التفكير ألف مرة بحلول لمواجهة المشكلة، كيف تخرج من هنا؟ أو تغيّر ما أنت فيه! ضاق صدرك وما حرَّكتَ خُطاك؟
البدء بخطوات صغيرة تأخذك لما رسمت، تنقلك لميدان العمل، اللوحة لن تكتمل وهي في عقلك فقط، تحتاج أن تمسك الريشة، وتبدأ بالخط الأول، والوقفة الأولى، ثم لا تُطل كثيرًا عند اختيار اللون، بعد البداية يتّضح المسار وتنضج الفكرة وتنبعث الهمّة.
خوفك من الخطأ، معارضة لطبيعة البشر، مَن منّا لا يخطئ!! وقوفك طويلًا على «مثالية» مشروعك، أو غايتك، سُتبقيك مكانك! تَرَدُّدك عند كل مرحلة، يمحي قليلًا من ثقتك في كل مرة، إنما إطالة النّظر في الفكرة تكون وأنت عند الحافّة، وتكون وفي الوسط وخلال السير وكل دقيقة، في الميدان، بعد صافرة البداية، حتى لا تُثقل نفسك بسؤال العجز، وتقتل فكرتك بإدمان النّظر دون خطوة.
أعلم، كلنا نَهابُ البداية، نحتاج سندًا لنا، لكن.. اعلم أن كل إنسان منشغل بغايته، أو مصيبته! مصبوبٌ في إطار اهتمامه، ولو ساعدك البعض، لن يأخذ بيدك مثلك، ولن يشعر بما فيك كأنت! وليس هذا دعوة للانفراد، بل لعدم الانقياد، أن لا تنتظر الفرصة المناسبة، والوقت المناسب، والشخص العظيم، والمساعد القائد، والأبواب المشرعة، والحياة الوردية! ابدأ بما عندك، ألست تدعو ذات الدعاء ولا تَمَلّ!
قلمك السَّيال، صوتك العذب، عِلمُك الصّلب، مهارتك العظيمة، فكرتك المميزة، مشروعك المبهر، غايتك الواضحة، وقتك المتاح، صِحّتك الجيدة، وألف نعمة بين يديك، أما آن لها من استثمار؟ أما آن للبذرة أن تُغرَسَ بعد؟ سبقك الكثير؟ ما المشكلة، أيأكل الناس من شجرةٍ واحدة؟ أتُسقى القلوب من بئرٍ واحد؟ إذًا لمات الناس من قلّة الموجود، وانعدام المُتاح.
ألا ما أكثر التراكمات فيك! خَفّف قليلًا عنك، ابتعد عن كل شيء فترة، الفترة تُنبِت الفكرة، ثم انتبه لعبادتك، صلاتك، سجودك، واسأل الله أن يختار لك ثغرًا يُحبّه، ثم ابدأ بالأولويات عندك، اضبط بوصلة الهدف «الجنّة» واستثمر وقتك لها، واربط كل شيء بها، ثم حسّن نفسك.
كتابك الذي بدأت به ورَمَيته، برنامجك الذي سجّلت فيه بعاطفةٍ لحظيّة، مشروعك الذي تطوّعت به ودائمًا تغيب عنه، أي ما أمر وضعت وقتك فيه واستنزفك، قتلك، أحبط نقطة الأمل المتبقيّة، وسَلَب شيئًا من مساحتك، أقلق راحتك، اتركه، ارحل عنه، غادر لأجلك.
واستلم ثغرك، خُذه بقوّة، ولو كان صغيرًا، أن تشرح كتابًا لطالبٍ واحد، أن تُفعّل ثغر المواصلات، أن تصوّر مقاطع دعوية، أن تكتب الملخّصات، أن تبني إنسانًا، أن تُحيي أملًا، أن تؤلف كتابًا، أن تنتج فيلمًا، أن تخترق الإعلام هادفًا، أن تُكوّن العلماء، تدرّب النشطاء، تمهّد الطريق، تغرس الأفكار، تصنع برنامجًا مَهاريًا، تصمّم، تكتب، تصوّر، تتكلّم جيدًا، أو أن تعطي الفكرة لأهل اختصاص.
أن «تكون ظِلًّا لألف أثر».
أتعلم متى ترحل؟ متى تكون أنفاسك الأخيرة؟ على الأقل، ارحَل وأنت على الطريق ..
مهما بلغتُ مِن معرفةٍ فأنا جاهل! كلُّ بابِ علمٍ طرقته يُفضي إلى أبواب لا عِلمَ لي بها، كلّ مهارة اكتسبتها لها مساحة للتّحسين المستمر، كلّ كتابٍ قرأته، وبرنامج تابعته، ودورة أخذتها، وفكرة أُلهمتها، هناك ما لم أصل إليه بعد! لكلِّ سلوكٍ وعادةٍ وأسلوب ما يقابله من الضّبط والتعديل والتّصحيح
تَذبُل حين تظن أنّك وَصَلت، طالما نحن هنا -دنيا- ليس هناك وصول! الجهل هو أن تقف عن البحث، أن تظن أنّك عالم، أن توقف زادَ القلب مِن التّزكية، والفكر من التّنقية، والعمل من التّرقية، وأن تترك التّدريب ظَنًّا أنّك وصلت، أنت لم تصل، أنت مُتَعَلِّم، تموت إن تركت المحاولة.
لذلك كانت التّفاصيل، وكان جهاد النّفس، وخلوة اللّيل، وسهرة الغرس، ودفاتر الكتابة، ومراجعة القديم، وتّرتيب الجديد، ووقفة إعادة النَّظَر، وإعداد الذّات لمهمةٍ أكبر.. واعلم أنّك مهما وصلت إلى مَراتب، ومُسَمّياتٍ، ومستويات
الموازنة بين طلب علم والواجبات والمسئوليات..كيف يتم ذلك؟
- الإجابة: هذه من أكبر المشكلات يا شباب، أنا في رأيي أن الإنسان لن يركز في طلب العلم إلا إذا حستن علاقته بأهله بالبيت؛ علاقته بزوجته بأبنائه، فهم لهم حقوق عليك يجب أن تؤديها لوجه الله، بعد ذلك سيصفو ذهنك للدراسة ويجب أن تستعين في كل ذلك بالله سبحانه وتعالى، وان يكون عندك عزم وقوة.
فالإنسان الذي يتقي الله، ويستعين به، ويري الله من نفسه صدقا وعزمًا، الله سبحانه وتعالى يوفر له الوقت ويبارك له فيه ويرزقه الفهم.
طيب كيف أعالج مشكلة التسويف ( تأخير أو تأجيل العمل إلى وقت آخر)؟
الإجابة: كثير من الشباب يفكر أنه طالما يدرس ذاتيًا؛ فهو على راحته يمكن أن يؤجل درس اليوم أو واجبات اليوم لبعد ذلك، وهذا من أكبر المشكلات التي يواجهها الدارس ذاتيًا التأجيل لمهامه.
ونصيحتي لك أنك طالما أخذت مهام لليوم لا تؤجلها لغد، لأن غذا سيكون هناك مهام أخرى، فتراكم المهام على بعضها سيشعرك بالضغط، وبالتالي لن تنجز المهام المطلوبة على أكمل وجه، لابد أنك ستقصر فيها ولن تتمها على وجهها، لذلك إذا أخذت درس اليوم لخصه اليوم وقيد فوائده ولا تعتمد على التأجيل إلا إذا ظهر لك ظرف طارئ.
ربما تحصل على مُبتغاك في مرحلةٍ مُتأخّرةٍ جدًا، لكن من خلال هذا التأخُّر، تكون قد قطعت صِلتك بأفكارك اليائسة، وتدرَّبت على الصبر حتى صار جزءًا مُتأصِّلًا من صفاتك، واكتسبتَ نفْسًا قوية اعتادت على مَشقّة الاحتياج، فإنّ ثمرة التأخُّر؛ أن تفرح بنفسك القوية أكثر من حصولك على مُبتغاك!
وقد تظن أنها النهاية.. وما هي الا بداية لحياة أجمل تعوضك عن ما رأيت في السابق، وقد يتغيّر كل شيء في لحظة، قد يأتي كل ما تمنيته في لمحة،
فلا تقُل كيف، ولا تقُل مستحيل، ولا تقُل صعب، ولا تفكر في كيفيّة الفرج، فإن الله سبحانه إذا أراد شيئاً هيّأ لك أسبابه بشكلٍ لا يخطر على بالك، وأتى به إليك بـ كن فيكون:))
أَما آنت نِهاية الترَاكمات والمُراكمة؟! أما آنت نِهاية التسويفِ والإهمال؟! أما آن لنَا أن نتغَلّب على مَن تأمُرُنا بالسّوء؟!
ألا إن نَفسي تشتاقُ لإتمَامِ المَهمّات وتَدوينِ المُلاحظَات وإنهاءِ الدّروس لكن هيهَات غَرّهَا الأمدُ الطّويل..
تِلك النفسُ تَخطو خُطوات مُتعثّرَة.. تُصِيب تارةً وتُخفِق تارة لكنها لم تنسَ أبدًا أن العَثَرة لا تمنع المُحاوَلة وأنّ "المُتعَة في الطّرِيق وعثَراته".