لفتة عابرة: ربما ذكر ابن تيمية رحمه الله في أثناء حديثه عن أمر ما شاهداً من حال رجل بعينه يسميه، مبيناً أن هذا الحال أو الخبر غلط ويُنكَر عليه، ثم يذكر بعض مناقبه، وأظنه لا يقصد بذلك مجرد الاستطراد، بل أراد ألا يخلي المقام من الثناء عليه.
ولدي شاهد من حال (سمنون المحب) لما تكلم عنه حين سئل عن الرضا في: الاستقامة (٢/ ٩٠)، مجموع الفتاوى (١٠/ ٦٩١).
❁ اقتران اسم الولي الحميد: ﴿ وهو الذي ينزّل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ﴾ [الشورى: ٢۸]
كما أن لكل مقام مقالاً، وكما أن لكل اسم من أسمائه تعالى ما يناسبه من حاجات الخلق، فلعل في هذه الآية الكريمة أصلاً لمن طال انتظاره وأوشك على اليأس في طلب حاجته: أن يلهج باسمي الله (الولي الحميد) في دعائه، فيغيثه الله كما ينزّل الغيث من بعدما قنطوا وينشر رحمته.
في بعض الأحيان يكون شرط القرب منه تعالى: أن يكون الدعاء سببك الوحيد. يسوق لك أقداراً حبل نجاتك الأوحد فيها: الدعاء فحسب، فربما أراك الأسباب تهوي واحداً تلو الآخر، حتى تمسك به. ليرى الله: هل يقوى قلبك على التوكل عليه أم يضعف؟ هل تؤمن من داخلك بأثر الدعاء أم لا؟ ثم لا تدري أترقى عنده أم تسفل.
ولكن حسّن الظن بالله واقفز بقلبك فهذه هوة مرَّ عليها الأنبياء قبلك ونجوا بالتعويل عليه تعالى والتوكل عليه وحسن الظن به. مرت بإبراهيم عليه السلام حين أُلقي في النار ومرت بموسى عليه السلام حين تراءى الجمعان ووقف على البحر فقال: كلا إن معي ربي سيهدين ومرت بنبينا ﷺ حين كان في الغار إذ يقول لصاحبه: لا تحزن إن الله معنا
عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله ﷺ: «الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السموات والأرض» أخرجه الحاكم وصححه.
وعند أبي يعلى: عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: «ألا أدلكم على ما ينجّيكم من عدوكم، ويَدرُّ لكم أرزاقكم! تدعون الله في ليلكم ونهاركم؛ فإن الدعاء سلاح المؤمن»
فتسمية النبي ﷺ -وهو أفصح البشر- للدعاء بـ سلاح المؤمن: يعني أنه قوة وأنه المعوَّل والمعتَمَد للمؤمن، كالسلاح للفارس وأنه للمؤمن سلاح وليس لغيره [وإن نفع غيره] ومعنى ذلك: أن الأسباب الأخرى ليست كالدعاء في الأثر، وأنه أغفل الأسباب الأخرى حصراً للقوة في الدعاء. وأن المكتفي بالدعاء: ينجح مسعاه
والله ما شعرت بعظم شوق النبي ﷺ للقاء جبريل إلا لما قارنته بشوقٍ نجده للقاء بعض المشايخ أو الإخوان الذين نتذاكر معهم العلم، فأجد شوقاً للمجلس عجيباً. ثم قلت: إن كان هذا شوقنا لمجلس العلم، فكيف بشوق نبينا ﷺ للقاء جبريل، وهو ينقل عن ربه مباشرة؟
ووالله إنا إذا أدركنا أحد طلبة الشيخ ابن عثيمين أو ابن باز أو مَن أدرك ابن إبراهيم أو الأمين الشنقيطي لنشتاق لسماع أخبارهم مع شيوخهم وسلوكهم وعبادتهم وآرائهم، وهؤلاء بشر فانون.
فكيف بمن ينقل عن الله مباشرة! وهو العليم الحكيم الخبير الذي خلق الخلق كله، وإليه يرجع الأمر كله. شيء لا يكاد يتصوّر
استبطأ النبي ﷺ جبريل عليه السلام مرة في نزوله إليه فقال له: " لو تأتينا أكثر مما تأتينا " -تشوقا إليه، وتوحشا لفراقه، وليطمئن قلبه بنزوله- فأنزل الله تعالى على لسان جبريل: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ أي: ليس لنا من الأمر شيء، إن أمرنا، ابتدرنا أمره، ولم نعص له أمرا، فنحن عبيد مأمورون، ﴿لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ﴾ أي: له الأمور الماضية والمستقبلة والحاضرة، في الزمان والمكان،
فإذا تبين أن الأمر كله لله، وأننا عبيد مدبرون، فيبقى الأمر دائرا بين: " هل تقتضيه الحكمة الإلهية فينفذه؟ أم لا تقتضيه فيؤخره " ؟
ولهذا قال: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ أي: لم يكن لينساك ويهملك، كما قال تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ بل لم يزل معتنيا بأمورك، مجريا لك على أحسن عوائده الجميلة، وتدابيره الجميلة. أي: فإذا تأخر نزولنا عن الوقت المعتاد، فلا يحزنك ذلك ولا يهمك، واعلم أن الله هو الذي أراد ذلك، لما له من الحكمة فيه.
❏ هل كان المسلمون يكفرون من يمتهن صناعة الطب والهندسة؟
من سخيف ما يقال في تقييم المجهود المعرفي الذي خلّفه المسلمون: أنهم لا يعترفون بالعلوم التجريبية ويكفرون أصحابها، فكثير من الأطباء والمهندسين والفلاسفة جرى تكفيرهم. ثم يأتي بعض المنهزمين ويلمّع هؤلاء سعياً منهم في تثبيت أن الأمة لم تمنع الطب والهندسة والخ.
وهذا جهل تاريخي من المدعي والمدافع المنهزم.
والصواب أن جهة التكفير لم تكن بسبب هاتين الصناعتين، وإنما كان الزنادقة المكفرون بمقالات كفرية عند طوائف الأمة يمتهنونهما. فالموضوع اقتصادي إلى حد كبير.
وتوضيح ذلك: أن الفقهاء كانت بأيديهم الوظائف الإدارية والأوقاف، فكانت الولايات التي بأيدي السلاطين يعينون عليها الفقهاء، كولاية القضاء، والحسبة، والإمارة على الأمصار، وإمامة الجوامع، والسفارة، والوزارة…الخ. ولم يستفحل تأمير غيرهم -كتأمير العسكر مثلاً- إلا مع المماليك ثم دولة الأتراك.
وكان التجار من جهة أخرى بأيديهم الأوقاف، فكل تاجر يشترط للتعيين على وظائف أوقافه من كان من أصحاب مذهبه، من تعليم ونظارة ونحوها، بل وكذلك الوصايا، وهذه تتطلب تزكية شيوخ كل مذهب، ودراسة على أيديهم.
فلم تنل الزنادقة بعد ذلك شيئاً.
فكان لابد لهم من امتهان الطب، لكي ينالوا وظائف الطبابة عند الولاة، وتكون لهم مهنة عند غيرهم من عامة الناس. بل في كثير من الأحيان كان الذي يقوم بها النصارى واليهود؛ لأنهم لم يكونوا ينالوا شيئاً داخل المجتمع غيرها.
فبذلك اقترنت الفلسفة بالطب، حتى في كتب التراجم، ربما وجدت تراجم الحكماء والأطباء في ديوان واحد.
ولما كانت الهندسة في بواكيرها تُدرّس ضمن الحكمة، كان الذي يتولى تدريسها هؤلاء الزنادقة، وكان لابد لمن يريد امتهان هذه المهنة أن يوافق شيوخه على مذاهبهم، حتى انفصلت تدريجياً بعد ذلك فربما تولاها قاضٍ، كما في حال بعض قضاة الروم من دولة الأتراك.
لما كان الإنسان المعاصر مثقلاً كل صباح بمواجهة طواحين الهواء: ضغوط العمل، والتحديات المالية، وانتظارات المجتمع، ابتكرت بعض مدارس علم النفس -مدرسة علم النفس الإيجابي وعلم النفس المعرفي السلوكي (CBT)- تقنية نفسية معرفية تسمى (التأكيدات الإيجابية) هدفها: تحسين الصحة النفسية وتعزيز التفكير الإيجابي لدى الفرد، فهي آلية نفسية (ميكانزم) تدعم إعادة تشكيل الأفكار والمعتقدات؛ لكي تساعد الفرد على تحويل التركيز من الأفكار السلبية إلى أفكار داعمة، مما يعزز من ثقته بنفسه وقدرته على التعامل مع التحديات. ومن أمثلة تلك التأكيدات، أن يقول الفرد لنفسه: - "أنا أثق بقدراتي وأستطيع تحقيق أهدافي". - “أنا ملتزم بتحقيق أحلامي". - “أنا أتحكم في أفكاري، وأحافظ على هدوئي في جميع الظروف”. حيث يطلب المختصون من الفرد استخدام هذه العبارات وتكرارها بانتظام.
وهي تعيد نفس الخطأ الذي يكرره إنسان اليوم من تأليه نفسه، وتحميلها مهاماً شاقة لا يقدر عليها: فهو بهذه التأكيدات يذكّر نفسه بأنه يستطيع أن يشارك في التقدير (تعالى الله) وصناعة الأحداث، ومدافعة مخاوفه، وأعداءه الذين بين جنبيه، حتى تلك التي يسميها أفكاراً سلبية، كل ذلك في سبيل استمراره ترساً متيناً في عجلة الإنتاج اليومي. مع أن الله لم يكلفه بذلك! بل تكفل له بالرزق، وقال ﴿فابتغوا عند الله الرزق﴾ ﴿وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها﴾. وهكذا يبقى الإنسان ضعيفا أجوف يحتاج إلى ما يسكّن نفسه، ويربطه بالقوة التي يفتقدها.
لكن الذي يلزم التنبيه عليه: هو أن الله لعلمه بحاجة عبده لما يشعره بالسكينة، أمره بقول بعض الأقوال المعينة. ففي الدعوة إلى الله مثلاً ﴿فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم﴾ [التوبة: ١٢۹]. وقال: ﴿ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين﴾ [الحجر: ۹۸] وقال ﴿وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا﴾ إلى أن قال: ﴿وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا * وقل جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً﴾ [الإسراء: ۸۰] فقولها جزء من الإيمان به، ينضم إلى ما قام في القلب ويعززه.
ومثل وصية رسول الله ﷺ لأسماء بنت عميس أن تقول عند الكرب: «الله الله ربي لا أشرك به شيئاً»، وكان ممن امتثلها عمر بن عبدالعزيز فأوصى بها ذريته لما احتُضر.
فمن وجد في نفسه نظراً إلى قدرة المخلوقين، ووجد في قلبه ضعفاً عن التوكل، واهتزازاً في اليقين، فهذا من وسوسة الشيطان، فليقل ما ورد، كالاستعاذة من همزه ونفخه ونفثه. وليذكر نفسه بما ورد في كتاب الله من الإخبار بكفايته تعالى، نحو: وكفى بالله حسيباً وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً
ولن تجد مثل آيات القرآن وأحاديث النبي ﷺ شيئاً يقوي إيمانك ويحقق لك التوحيد، ويفتح لك مع الله باب تعرف وقرب وولاية، فالله يحب أولياءه، ويحب من يتوكل عليه ويعتمد عليه: ﴿إن الله يحب المتوكلين﴾. لأنهم أقاموا إيمانهم به -وهو غيب عنهم- مقام رأي العين، فكأنهم يرونه بأعينهم ويرون قوته وقدرته وتصريفه، فيغيثهم ملك الملوك، وهذا هو الإحسان.
في (مصنف ابن أبي شيبة) عن قدامة بن حماطة عن زياد بن حدير قال: سمعتُ العلاء بن الحضرمي يحدث خاله، أنه كان من دعائه حين خاض البحر: «اللهم يا حليم، يا علي يا عظيم»[١].
وفي رواية: لما عبر العلاء بن الحضرمي البحر إلى أهل دارين [مملكة البحرين الآن] قال: «يا حليم يا كريم، يا علي يا عظيم»
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سَهْم بن مِنْجاب قال: غزونا مع العلاء بن الحضرمي فسرنا حتى أتينا دارين، والبحر بيننا وبينهم، فقال: «يا عليم يا حليم، يا علي يا عظيم إنا عبيدك، وفي سبيلك، نقاتل عدوك اللهمّ فاجعل لنا إليهم سبيلاً» فتقحَّم بنا البحر فخضنا ما يبلغ لبودنا الماء فخرجنا إليهم.
ويبدو أن للعلاء رضي الله عنه شأناً خاصاً مع أسماء الله الحسنى، وكذلك سائر الموحدين من سلف هذه الأمة ومن تبعهم بإحسان، ففي رواية عن أبي هريرة قال: عطش العلاء بن الحضرمي، فنادى: «يا علي يا عظيم، يا حليم يا كريم» فسُقي.
———————— [١] حسَّنه الشيخ سعد الشثري، وقال: "قدامة بن حماطة صدوق"، وقال محمد بن مبارك حكيمي: "قدامة هذا هو ابن أخت سهمٍ، ذكره ابن حبان في الثقات، وسهم بن منجاب ثقة، وهذا الإسناد أقوى مما قبله، والله أعلم".
سيتعب فرقاء وتتصدع نفوس وتنهار أمنيات، ولكن ما من ملجأ ولا عاصم إلا القرآن، لتكون له العزة في النفوس، فافزع إليه وبكِّر واسبق، فالعمر قصير والطريق طويل.
- تفتح مصحفك خالياً لا يراك ولا يسمعك أحد، ثم ترتل بأجود ما أنت فاعل، لا قصد لك إلا لتسمع الله صوتك بكلامه. لا بقصد إنهاء ختمة ولا بقصد مراجعة حفظ ولا بقصد شيء آخر
يقول ابن رجب رحمه الله: "ونُهي أن يستعجل، ويتركَ الدعاء لاستبطاء الإِجابة، وجعل ذلك من موانع الإِجابة حتَّى لا يقطع العبدُ رجاءَه من إجابة دُعائه ولو طالت المدة، فإنَّه سبحانه يُحبُّ المُلحِّين في الدعاء، وجاء في الآثار: إنَّ العبد إذا دعا ربَّه وهو يحبُّه، قال: «يا جبريلُ، لا تعجل بقضاء حاجة عبدي، فإني أُحب أن أسمعَ صوته»" ا.هـ. والحديث في الطبراني في الأوسط والكبير والحلية لأبي نعيم بسند ضعيف.
- تفتح مصحفك خالياً لا يراك ولا يسمعك أحد، ثم ترتل بأجود ما أنت فاعل، لا قصد لك إلا لتسمع الله صوتك بكلامه. لا بقصد إنهاء ختمة ولا بقصد مراجعة حفظ ولا بقصد شيء آخر
تذكر وقت الدعاء أنك تمتثل بدعائك قوله تعالى: ﴿ فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ﴾ [العنكبوت : ١٧] وأنه قال: ﴿ نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ﴾ [طه: ١٣٢]
فمع أن الله جعل أمراً عاماً بالدعاء ووعد بالإجابة ﴿ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ﴾ إلا أنه لرحمته وكرمه جعل أمراً خاصاً بالدعاء بالرزق كما ترى.
ولماذا يعد هذا الأمر مهماً؟ لأن هذا هو جوهر الدعاء أي تلك الأفكار التي في بالك حين تدعو ماذا تعتقد في الله؟ ولماذا تدعوه؟
يا منهلاً عذباً روي = وريث فقه النووي يا صاحب الخُلق النبيـ = ـلِ ذي الخصال العفوي يا شيخنا في أعمق الـ = ـفروق عمق الإسنوي يا فارقاً بين الشيـ = ـوخ بتَّ فرقاً معنوي علمتنا غوص بحـو = رِ الفقهِ بالفكر الروي فبات لا يصمد في = درسك إشكالٌ قوي وجامد الفقه غدا = بعدك فقهاً حيوي
ومن يسلْ عن اسمه = وشخصه ليرتوي فذالكمْ شيخ الفرو = ع والأصول: الدِرشوي فاصفح عن الغياب إنَّ فيهِ سراً منطوي وإن تكن غوايةً = فآدمٌ قبلُ غوي ونحن عنها نطلب الـ = ـغفران والوضع السوي فقد عفا نبينا = فصار هدياً نبوي صلى عليه ربنا = ما ناح صبٌ أو هوي والله يجزيك الجزا = ء الدنيوي والأخروي