"لقمة في فم جائع خير من بناء ألف جامع" !؟ الأولويات في بيئة الحرب كحلقات الدائرة، أوسعها إطعام الجياع، وأثمنها إيواء المشردين، وأغلاها تعهد عقول الصغار بالعلم في ظلمة المخيمات. فإن قامت العقول على ترتيب هذه الضرورات، وجب عليها ألا تنصرف إلى زخرفة الحجر إلا إن استقامت لبنات البشر وأحوالهم. لكن، وما أدراك ما لكن، تجد في القوم طائفة لا يُظهرون فقه الأولويات هذا إلا حين يعلو حديث المساجد، وكأن قلوبهم أثقلتها حساسية تجاه بيت الله، لا رحمة بالمحتاجين. تراهم صامتون عن الأموال التي تُهدر في الترف والتباهي, فلا ينبسون ببنت شفة، وكأن في نطقهم عُجمة إلا إذا قُصد بيتٌ من بيوت الله صاروا حينها ذوي حكمة وبلاغة. تلك قلوب اختلّت موازينها، وما فهمت من الفقه إلا ما يوافق هواها. ✍ قتيبة