"الإبتلاء والصراع سنة
من سنن الله في خلقه "
د يوسف القرضاوي
من سنن الله تعالى
الثابتة التي لن تجد
لها تبديلًا،
ولن تجد لها تحويلًا الصراع بين الحق والباطل،
التدافع بين الخير والشر، بين الهدى والضلال،
بين الإيمان والكفر،
بين الصلاح والفساد،
بين الفضيلة والرذيلة،
بين العدل والظلم،
الصراع بين هذه المعاني سنة من سنن الله
تبارك وتعالى لا تتخلف.
وذلك أن هذا الكون
قائم على هذا الازدواج،
الخير ممزوج بالشر، واللذة ممزوجة بالألم، وهكذا خلْقُ الإنسان،
{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ
مِنْ نُطْفَةٍ
أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ}
[الإنسان:2]
فالابتلاء قائم منذ خُلق الإنسان وإلى أن يموت،
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ
فِي كَبَدٍ}
[البلد:4].
ابتلى الله الناس
بعضهم ببعض،
وابتلى الإنسان نفسه بصراع قوى الخير
والشر بين جوانحه،
ابتلى الله الناس بأنفسهم التي بين جنوبهم، وبالشياطين المُسلَّطة عليهم،
كما قال الشاعر الصالح:
إني ابتُليت بأربع يرمينني ..
بالنبل عن قوس له توتير
إبليس والدنيا ونفسي والورى ..
يا رب أنت على الخلاص قدير
أي إن الإنسان في معركة مبتلىً بها،
يجاهد في داخل نفسه، ويصارع في خارجها،
كما جاء في الأثر:
"المؤمن
بين خمس شدائد:
مسلم يحسده،
ومنافق يبغضه،
وكافر يقاتله،
وشيطان يضله،
ونفس تنازعه".
الصراع والتدافع والتنازع بين الحق والباطل،
وبين الخير والشر سنة من سنن الله ذكرها
القرآن وأكدها
في أكثر من آية،
{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ
لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ
وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ
عَلَى الْعَالَمِينَ}
[البقرة:251].
ومن هنا وجدنا منذ بدء البشرية خلق الله آدم، وخلق معه أو قبله إبليس رمز الشر والفساد والطغيان،
وخلق إبراهيم
وخلق معه النمرود
الذي حاجَّه إبراهيم
في ربه
أن آتاه الله الملك،
{قَالَ إِبْرَاهِيمُ
رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ
قَالَ إِبْرَاهِيمُ
فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ
فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ
فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ
وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258].
وخلق الله موسى
وخلق معه فرعون
الذي قال للناس:
{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24]،
{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}
[القصص:38]،
﴿ ما أُريكُم إِلّا ما أَرى وَما أَهديكُم
إِلّا سَبيلَ الرَّشادِ﴾
[غافر: ٢٩]
{أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ
وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِي}
[الزخرف:51].
وخلق الله محمدًا وخلق معه أبا جهل وأبا لهب وهؤلاء الطواغيت
من أهل الشرك ودعاته، وصدق الله العظيم
إذ يقول:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا
لِكُلِّ نَبِيٍّ
عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ
وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}
[الفرقان:31]،
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا
لِكُلِّ نَبِيٍّ
عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ
يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام:112].
من أجل هذا أنزل الله الكتب،
ومن أجل هذا أرسل الله الرسل ليعلموا الناس ويهدوهم إلى صراط الله المستقيم،
{مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ
لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ
عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ
بَعْدَ الرُّسُلِ}
[النساء:65].
#جيل_التمكين https://t.center/shababtody