*الخلق* *"في البدء خلق الله السموات والأرض، وكانت الأرض خاوية خالية، وعلى وجه الغمر ظلام، و روح الله يرفرف على وجه المياه"*
س: في البدء، في الأول، ماذا كان هنالك؟ ج: ما كان هناك شيء، بل كان الله، كل شيء خلقه الله، الله لم يخلقه احد، لأنه هو الذي به كان كل شيء (يوحنا ١/ ٣) س: أليس هذا من الفلسفة؟ ج: لا، لأن أي فيلسوف من العصور القديمة لم يفكر في هذا. كان اليونان يقولون إن الإله صانع فائق للكون، وكانوا يسمونه خالق العالم،. وقد يكون هو من أخرج النظام (الكون) الذي نكتشفه في الطبيعة، من الخواء الأولي. ولكن هذا الصانع قد يكون هو الذي وضع النظام في مادة كانت موجودة مسبقا. س: *والكتاب المقدس* ماذا يقول لنا؟ ج: يقول الكتاب المقدس إن الإنسان لم يكن وحده يستطيع أن يوجد الكون. والله نفسه هو الذي جعلنا نعرفه، وهو الذي كشفه لنا. يقول لنا، إنه بقدرة كلمته الخلاقة أعطى الأشياء حياتها ووجودها. قال الله: *"ليكن نور"*، فكان نور. يكفي أن يقول الله كن حتى تكون الأشياء. كلامه هو يشكل كيانها و يعطيها الوجود.
يحدد قانون رقم ٦٩ لأباء المجمع المسكوني السادس المنعقد في القسطنطينية عام ٦٩١م مَن يحق له التواجد في الهيكل، بالقول: "لا يُسمح لأي عامي أن يدخل إلى الهيكل المقدس إذ يُمنع كل من ليس له عمل من الدخول إليه".
إن الدخول إلى الهيكل هو للذين يخدمون المذبح المقدس ويقيمون خدمة القداس الإلهي والصلوات الطقسية من أساقفة وكهنة وشمامسة.
كما يُسمح بالدخول إلى الهيكل لمن يُكلف ببركة الأسقف أو الكاهن للخدمة داخل الهيكل: مثل القندلفت لإشعال الشموع وإعداد المبخرة وما إلى ذلك، وكذلك خدمة الهيكل الذين يقومون بتنظيف الهيكل وإعداده للخدمة.
كذلك لبعض الأطفال بسماح من الكاهن للمساعدة داخل الهيكل وخارجه، كحمل الصليب والشمعدانات والمراوح والأيقونات في الخدمات الكنائسية.
أما غير هؤلاء المذكورون من العلمانيين فلا يحق لهم دخول الهيكل أو التواجد فيه أثناء الخدمات الكنائسية، كما يُحدد أباء المجمع المسكوني السادس.
إن الشخصيات الحساسة التي تبتهج بالزحف في الأمور الزمنية وتفرح بالأشياء الحاضرة، ليست مستعدة أن تتخلى حتى عن الورود الذابلة لأن هذا هو أمر الابتهاج بالزمنيات، أو أن تترك مجرد ظلالها... لنفضح بشاعة هذه المرأة العاهرة. لأنه هكذا تشبه الحياة المكرّسة للتنعّم وحب الغنى والسلطة (الكبرياء)، إنها حياة خبيثة وقبيحة ومملوءة بغضاً شديداً ومكروهة، مملوءة أثقالاً ومحملو بالمرارة. بالرغم أن هذا هو هدف اشتياقهم وسعيهم، إلا أن حياتهم مشحونة بالمضايقات الكثيرة والكرب، ومملوءة بشرور لا تُحصى ومخاطر وسفك دم وفجوات هاوية وأوعرة وقتلة ومخاوف ورعب وحسد وسوء نية ومكائد، وقلق مستمر واهتمام دائم، ومع هذا كلّه لا يحصل على نفع ولا يأتي من هذه المخاطر الكثيرة بثمار، سوى العقوبة والانتقام والعذاب المستمر. ولو أن هذه هي صفات حياة محبي المال، لكنها تبدو لغالبية البشر أنها موضع طموح (طمع) وشغف زائد. وهذا يكشف لا عن بركة المادة ذاتها بل غباوة الذي أُسروا في حبها.
*الآن قل لي لماذا يكون المال هدفاً للطمع (الطموح)* لأن هؤلاء الذين لهم مقتنيات (غنى) لا يضعون حداً لهذه الشهوة المهولة في أي مكان، حتى وإن داروا حول العالم كلّه. كذلك الفقير يتضايق لكي يأخذ نصيباً وافراً من الغنى وهكذا يسيطر على أرواح الجميع نوع من الخبل عديم الشفاء، وجنون لا يمكن مقاومته، ومرض بلا علاج. هذا الميل النفسي (محبة المال) يتغلّب على كل عاطفة أخرى و ينزعها من النفس، فلا يعود يهمّه صديقه أو قريبه...بل ولا يبالي بزوجته أو أولاده... فهل يمكن أن يكون له أناس أعزاء أكثر من هؤلاء؟
*إنه لا يمكن أن تتعدد الأسباب (التي تدفعك لمحبة المال) سوى اللذة والكبرياء والخوف والقدرة على الانتقام*
*فالثروة عادة لا تعمل على أن يصير الإنسان حكيما أو ضابطا لذاته أو أكثر وداعة أو تعقلا أو شفوقا أو محبا أو متساميا على الغضب والنهم واللذة. إنها لا تدرب الإنسان ليكون عفيفا أو تعلمه الاتضاع، ولا أن يبدأ أو يزرع أي نصيب من الفضيلة في الروح.*
وبالفعل دخلت عمّته ومعها أيقونة القدّيس نكتاريوس، ورسمت بالأيقونة شكل صليب على الصبي ووضعتها على صدره، فإذا به يقوم ويمشي معافى! وعندما حضر الطبيب ليتفقّد حالة الصبي، سألهم عنه ظانّاً أنّه قد مات. فأجابه الصبيّ: "أنا هنا، لقد تعافيت". وقام الطبيب بفحوصاته وانذهل من الأمر إذ لم يعد يشكو الصبي من أيّ شيء. فتعجّب الجميع ومجّدوا الله وشكروا القدّيس. عُرف القدّيس نكتاريوس العجائبي لكثرة ما قام به من معجزات في حياته وبعد رقاده، فقد أعطاه الربّ هذه الموهبة والقوّة على الشفاء. لقد ظلّلت النعمة الإلهيّة حياة القداسة والطهارة التي عاشها من جهادٍ، واحتمال للشدائد والصبر عليها، وطول الأناة، والسهر، والصلوات، وبذل الذات من أجل الآخرين. وها إنّ بقاياهُ ما زالت محفوظة في دير الثالوث الأقدس في آيينا تعزيةً وبركةً لنا.
وبينما يلفظ القدّيس أنفاسه الأخيرة ألبسته الراهبات ثياباً جديدة. وعندما ألبسوه القميص، وضعوا قميصه القديم على السرير المجاور، الذي صدف أن كان عليه شخصٌ أعرج، فإذا به يصحّ ويقوم ماشياً ممجّداً الله. أمّا الغرفة فقد امتلأت برائحة زكيّة فاضت من جسد القدّيس. وفي اليوم التالي نقلوه إلى ديره في "آيينا" حيث رافقه جمع غفير من الكهنة والناس، واستقبله أهل الجزيرة بالبكاء بينما كانت الأجراس تدق، ووضعوه في كنيسة الدير. وعند المساء أُقيمت صلاة الجناز، وأثناءها عرق كتف القدّيس وكثيرون أخذوا من عرقه بواسطة مناديلهم بركة منه. ثمّ دفنوه في قبره في الدير. أما قصة هذا القبر فهي كالتالية: قبل أن يذهب القدّيس إلى دير الثالوث الأقدس كانت تقيم فيه راهبة بسيطة. أرادت هذه الراهبة في إحدى المرات أن تزرع شجرة حور، فأخذت الشتلة وذهبت إلى المكان الذي تريد زرعها فيه، فسمعت صوتاً يقول لها: "لا تزرعيها هنا، ابتعدي قليلاً اتركي مكاناً لقبرٍ في هذا المكان" فلم تردّ على الصوت. فعادت وسمعت الصوت ثانيةً، إلاّ أنها لم تصغ أيضاً. عندئذٍ شعرت بيد خفيّة تدفعها إلى الوراء...وهكذا زرعتها في المكان الذي حدّده لها الصوت، وهذا كان قبر القدّيس. الراهبات كنّ قد وضعن القدّيس في قبر آخر، إذ لم يكن قد أُعدّ قبره بعد. وبعد خمسة أشهر إذ أردن نقله إلى قبره المعدّ له فكّرت الرئيسة قائلة في نفسها، كيف سيفتحن القبر إذ لا بدّ وأن جسده قد أنتن. ففي تلك الليلة ظهر القدّيس لإحدى الراهبات وقال لها: "كيف حالك؟ فأجابت الراهبة: "حسنةٌ بصلواتك" "اقتربي منّي كي أباركك" وباركها كعادته، ثمّ قال لها: "هل تخرج منّي رائحة؟" " لا !" "هل أنت متأكدة أنّه لا تخرج مني رائحة كريهة؟" "نعم يا أبتِ، من يقول عنك أنك لست نظيفاً؟" "الرئيسة، هي تقول هكذا، انظري إليّ حسناً، ألستُ كاملاً؟" "نعم يا أبتِ". وبالفعل عندما أخرجوه لم يكن جسده قد اعتراه أيّ فسادٍ بل كان يشحّ برائحة زكيّة. فأزالت الراهبات عنه التراب ووضعنه في قبره. وقد أتى رئيس أساقفة أثينا وتحقّق من الأمر وأعلن أنّ هذا دليل قداسة الأب نكتاريوس. ومن ثمّ أعلنته البطريركية قدّيساً بشكل رسميّ عام 1961م. وأُقيم زياح ٌ كبيرٌ في "آيينا" حضره جمع من المؤمنين، الذين طافوا شوارع المدينة احتفالاً وطلباً لشفاعة القدّيس. وفي عام 1963م وضعوا بقاياه في آنية فضيّة ووضعوها في كنيسة الدير كي يسجد لها المؤمنون ويتباركون منها. لقد صنع القدّيس نكتاريوس آلاف العجائب بعد رقاده وحتى الآن، وبدون توقّف وبلا حدود، فلم يعجز أمامه مرضٌ أو شدّةٌ من الذين طلبوا منه بإيمان: إنّ السيد ديمتريوس باناغوبوس - من أثينا - كان رجلاً متزوجاً منذ /16/ سنة ولم ينجب أولاداً. وإذ سمع بعجائب القدّيس أخذ يصلي ويطلب إليه أن يرحمه. فظهر له القدّيس وقال له: "زوجتك ستحبل وتلد ابناً" وأثناء الولادة قال الطبيب أنّه لا يوجد أمل فالولد سيموت حتماً. أمّا حياة الأم فهي 80 % مهدّدة بالخطر. عندئذٍ ذهب ديمتريوس إلى الكنيسة فوجدها مغلقة، فصلّى من الخارج وقبّل الباب، وعاد مؤمناً بأن القدّيس لن يتركه.وفعلاً أنجبت الأم الولد وسمّوه نكتاريوس وعمّدوه في دير القدّيس في آيينا. عندما كان القدّيس في آيينا، كان يوجد فيها حارس غير مؤمن ولا مبالٍ. وكان القدّيس يعظه دوماً محاولاً تشجيعه على التوبة والاعتراف والمناولة، إلاّ أن الحارس تجاوزه وأكمل طريقه إلى القهوة، وهناك أثناء الحديث قال للجالسين معه: "التقيت الآن الرئيس، وقد دُهشتُ كيف أنّه ما زال حيّاً حتى هذه الأيام" فسألوه: "أيّ رئيس؟" فقال: "نكتاريوس، رئيس دير الثالوث الأقدس" فقالوا: "ماذا تقول؟ لقد توفّي منذ ثلاث سنوات!" فتعجّب الحارس وأخذ يقصّ عليهم كيف كلّمه. وعلم أنّ القدّيس قد ظهر له من أجل خلاصه، فذهب إلى الدير وتضرّع إلى الرب و إلى القدّيس كي تُرحم نفسه. في عام 1952م كان الطفل هرقل مفاكيس وعمره /6/ سنوات يعرُج، وبعد الفحوصات في المشفى تأكّد الطبيب من وجود سرطان قويّ جداً في رجله، وبأنّ ساعات حياته أصبحت معدودة. لكن إحدى قريبات هرقل طلبت من الطبيب أن يكتب له وصفة طبيّة كي تتعزّى أمّه قليلاً، وأخذت الوصفة. ولكن عوضاً أن تذهب إلى الصيدلية لشرائها ذهبت إلى بيت أحد معارفها كي تجلب من عندهم أيقونة القدّيس نكتاريوس. وأثناءها صرخ الولد لأهله: "لا تبكوا، فأنا سوف أُشفى" "كيف تعرف هذا؟!" "لقد قال لي القدّيس نكتاريوس إنّي سوف أشفى" "متى؟ كيف؟!" "لقد أتى وظهر لي بلحيته البيضاء الكبيرة ودغدغ وجهي قائلاً: "قل لجدّتك ووالدتك بألاّ يبكين، فأنا سوف أجعلك معافى" وقبل أن تصل عمّته إلى الباب قال لهم ثانية: "عمّتي قد جلبت لي معها القدّيس نكتاريوس" "كيف تعرف هذا يا بنيّ؟!" "لقد قال لي القدّيس ذلك".
كان يملك موهبة معرفة المستقبل، فكان يحذر الكثيرين من أمور ستحدث معهم ويساعدهم على خلاص نفوسهم: عندما أنهى الأب فيلوثيوس زورفاكس الخدمة العسكرية أراد الذهاب إلى جبل آثوس كي يترهّب هناك، لكن القدّيس نصحه بأن يذهب إلى دير "لونغوفارذة" في "باروس - PAROS"، إلاّ أنّ! الأب فيلوثيوس أبدى تحفظاً تجاه كلام القدّيس الذي قال له: "إن شئت اذهب إلى الجبل، لكنك في هذا الدير ستنتهي، وفيه ستقضي حياتك". وبالفعل قرّر الأب الذهاب إلى الجبل مع أحد أصدقائه للترهّب هناك، وعندما وصلا إلى تسالونيك - وكان الأتراك ما زالوا فيها - أراد السجود للقدّيس ديمتريوس في كنيسته، لكن الأتراك قبضوا عليهما وقادوهما إلى المحاكمة، حيث حكم عليهما نائب الباشا بالسجن، فقيّدوهما وساقوهما إلى السجن. وفي طرقهم إليه صادفوا الباشا الذي أطلق سراحهما، فتذكّر آنئذٍ الأب فيلوثيوس قول القدّيس له: "اذهب، لكنك في أحد الأيام سوف تعود" فعاد أدراجه وذهب إلى دير"لونغوفارذة" وأمضى بقية حياته فيه. وحدث أيضاً أنّ ابنة عم إحدى الراهبات حضرت لزيارة الدير لعدة أيام ثمّ عادت إلى بيتها، وبعد فترة تزوّجت. فأخبرت الراهبات القدّيس بأن (فلانة) قد تزوّجت. فقال لهنّ: "هذه سوف تصبح راهبة" فقلن له: " كيف ستصبح راهبة وها نحن نقول لك إنّها تزوجّت؟" فأجابهن: "ستصبح راهبة، إنّي أراها أمامي لابسة الجبّة" وفعلاً، بعد عدّة سنواتٍ توفي زوجها، فترهّبت وأصبحت رئيسة دير القدّيس مينا في الجزيرة نفسها. عرف الجميع القديس نكتاريوس رجل صلاة. فكان يشفي بصلاته المرضى ويُخرج الشياطين من نفوس الكثيرين. وبالرغم من هذا كلّه فقد واجه صعوبات كثيرة ووشايات كاذبة، هكذا شاء له الله أن تكون حياته جهاداً مستمراً مع شدائد وضيقات. اتّهمه البعض بالكبرياء والفريسيّة، وأن كلّ ما يقوم به ليس إلاّ تكبّراً، وأنّه إنسان كاذب مرائي. كما اتّهمه البعض الآخر باللاأخلاقية حتى توصّل البعض لأن يتّهموه بالزنى وأنّه ينجب أولاداً ويرميهم في البئر. وحدث مرة أن امرأة تدعى " كيرو" كان لها ابنة في السادسة عشر من عمرها، وهذه الأمّ لم تكن طبيعيّة، وقد حاولت عدة مرات أن تُميت ابنتها. فهربت الابنة المسكينة أخيراً ولجأت إلى الدير، فقبلها القدّيس وحماها. لكن الأم حنقت على تصرّف القدّيس وأخذت تشيع عنه أنّه رجل زانٍ، وذهبت إلى المحكمة في "بيرية - PIREA" (ميناء أثينا) وقالت أنّ نكتاريوس الذي يدّعي نفسه أنّه راهب أخذ ابنتي إلى ديره، مع العلم أنه رجل لا أخلاقي... وأخذت تبكي طالبة أن يعيد لها ابنتها. فأخذ النائب العام جنديّين وتوجّه إلى جزيرة "آيينا" وقصد الدير، وعندما وصله دخل دون استئذان، وتوجّه نحو الشيخ القدّيس الذي بلغ آنذاك من العمر السبعين سنة، قائلاً له: "أيّها الراهب المرائي، أين تضع الأولاد الذين تُنجبهم؟ أهذا ما تفعله هنا؟" ثم أمسك به من جبّته وقال له ساخراً: "سوف أنتف لك لحيتك شعرةً شعرة" أمّا القدّيس فبقي صامتاً ولم يجبه بشيء سوى أنّه رفع عينيه إلى السماء وقال: "الله يرى ويعرف كلّ شيء". وبعد مضي أسبوع أصابت النائب العام آلام قاسية جدّاً، أمّا يده التي شدّ بها القدّيس فقد أُصيبت بغرغرينا قوية جداً أخذت تتفشّى بسرعة كبيرة في جسمه، ممّا أذهل الأطباء الذين عجزوا عن علاجه ومعرفة سبب ذلك. وبعد شهرين أتت زوجته إلى الدير طالبة مقابلة القدّيس، وعندما دخلت إليه ركعت أمامه متوسلة إليه أن يغفر لزوجها المهدّد بالموت، فأجابها القدّيس: "لم يكن في قلبي أيّ حقد تجاه زوجك لا بل وقد سامحته من اللحظة الأولى، كما أنّي سوف أتضرّع الآن إلى الربّ من أجله". لكن إرادة الرب كانت أن توفي ذاك الرجل بعد أيام قليلة جزاء عمّا فعله. عاش القدّيس نكتاريوس في ديره مدة /12/ سنة، وفي عام 1920م أُصيب بآلام وأوجاع شديدة فذهب إلى دير للسيدة العذراء- في الجزيرة ذاتها - كي يتضرّع إلى أيقونة والدة الإله من أجله. وقضى ساعات طويلة أمام الأيقونة راكعاً يصلّي، ومن ثمّ عاد إلى ديره، وأثناء عودته قال للراهبة نكتاريّة التي كانت ترافقه: "هذه آخر مرة أبارك فيها الدير، لأنّي أرحل" فسألته الراهبة: "إلى أين ستذهب يا أبي؟" "إلى السماوات" "ونحن ماذا سيحلّ بنا بدونك؟" " أنتم سوف يأتون كثيرون ليهتمّوا بكم، لا تقلقي". ومنذ ذلك الوقت أصبحت آلامه قويّة جداً، فنقلته الراهبات إلى المستشفى في أثينا. وهناك سأل الممرض الراهبة: "أراهب هو؟" أجابته: "إنه مطران!" قال لها: "دَعي المزاح الآن، ما اسمه ومن هو؟" أجابته: "إنه مطران المدن الخمس. إنّه نكتاريوس!" فقال منذهلاً: "مطران هو، ولا يحمل ذهباً على صدره! ولا يملك دراهماً!" . فحقاً لم يملك القدّيس نكتاريوس دراهماً البتّة، بل عاش كأحد الفقراء المتواضعين!". وبقي في المستشفى مدة شهرين تقريباً معانياً الآلام والأوجاع القاسية، ومن ثمّ غادر هذه الدنيا في التاسع من تشرين الثاني عام 1920م بعد أن تناول الأسرار الإلهية.
ويروى أنّه عندما أتى القدّيس نكتاريوس إلى "آيينا" للمرة الأولى حدث ما يلي: كان يوجد في الجزيرة شابٌّ يدعى اسبيرو وفيه شيطان، هذا كثيراً ما كان يتنبأ بأمور، أحياناً صحيحة وأحياناً كاذبة. وفي ذلك اليوم الذي أتى به القدّيس إلى الجزيرة، أغلق اسبيرو عينيه وأخذ يصرخ ويقول: "إنّ نكتاريوس آتٍ، هذا سوف يخلّص الجزيرة. القدّيس يأتي، هذا سوف يخلّصنا، فاستعدّوا لاستقباله". وكان الناس يسمعونه دون أن يفهموا شيئاً، فنادوا الكاهن ميخائيل من الكنيسة، الذي أتى وسمع بنفسه ما يقوله اسبيرو، فاحتار في الأمر وما كان منه إلاّ أن ذهب مباشرةً إلى الميناء، وإذا بسفينة تصل في ذلك الوقت وكان عليها القدّيس نكتاريوس، فاستقبله الأب ميخائيل وقال له: "سيّدنا، هناك شابٌ قريبٌ من ههنا قال إنّك سوف تأتي وهو يتنبأ عنك دون أن نفهم شيئاً" فقال القدّيس: "أين هو هذا الشاب؟" فأخذه إلى الموضع الذي كان فيه اسبيرو، فلمّا رآه القدّيس رسم بعصاه إشارة الصليب على فمه، وإذا بالشاب يقوم ويقبّل يد القدّيس. ومنذ ذلك الحين أصبح صحيحاً ودخل المدرسة وأنهى دروسه ومن ثمّ تزوج وأنجب أولاداً. وهذه الحادثة جعلت أهل الجزيرة جميعاً يحترمون القدّيس. وحدث أيضاً أنّه انحبس المطر وجفّت المياه وعطشت الأرض في الجزيرة، فأتى محافظ الجزيرة مع بعض المسؤولين إلى القدّيس متوسّلين إليه أن يتضرّع إلى الله كي يهطل المطر. فقال لهم القدّيس: "سيتم هذا،لكن ليس الآن، بل في الأحد المقبل، أمّا أنتم فصوموا وكونوا مستعدّين للقدّاس الإلهي والمناولة". وبالفعل، فقد أتى القدّيس في الأحد المقبل وأقام الذبيحة الإلهية وتضرّع إلى الرب، ومنذ الظهيرة ملأت الغيوم السماء وأخذ المطر بالنزول، واستمرّ مدّة شهرين حتى فاضت الينابيع، فأخذ أهل الجزيرة يتوسّلون إلى القدّيس كي يصلّي إلى الله ليتوقّف المطر، فقال لهم القدّيس: "يا أولادي، إن الله يعرف أكثر منّا ماذا يفعل" وبعد وقت قليل توقّف المطر!.. في بداية مجيئه إلى الجزيرة وتأسيس الدير ساعده كثيراً الأب ثيودوسيوس بابا كونسطنطينو رئيس دير رقاد السيدة - في آيينا - حيث كان يساعد الأخوات مادياً وكان يؤمن لهم كاهناً للقيام بالخدمة الإلهيّة، إلى الوقت الذي أتى فيه القدّيس وسكن نهائياً في الدير. استقال القدّيس من عمله في المدرسة لأسباب صحيّة، وأقام في الدير الذي أسّسه حيث أمضى بقية عمره فيه. عاش القدّيس نكتاريوس في الدير راهباً حقيقياً، وكان شديداً ودقيقاً في كلّ الأمور، وديعاً متواضعاً، يشعر مع الآخرين ويتعاطف معهم فلم يسمعه أحدٌ في الدير يصرخ أو يشتم، بل كان يبارك دوماً. كان هو كاهن الدير أيضاً وكان يقوم بجميع الخدمات من الاهتمام بالحقل وجلب المياه إلى الدير...الخ. وكثيراً ما كان يساعد العمال. وإنّ الأب فيلوثيوس زورفاكوس يذكر أنّه ذهب مرة إلى الدير كي يرى القدّيس، وقبل أن يصل إلى البوابة شاهد راهباً يعمل خارج الدير، وكانت الساعة حوالي الثانية عشرة ظهراً في شهر آب، فصرخ إليه قائلاً: "أيّها الأب أريد أن أرى سيّدنا المطران" فقال له الراهب: "ادخل إلى الدير وهناك سوف تراه"، ويقول الأب فيلوثيوس: "لقد دخلت الدير وانتظرت، وإذا بي أرى الراهب الذي كان يعمل في الحقل آتياً. لقد دخل إلى الغرفة وغيّر ملابسه وأتى لعندي. كان هو المطران". أحبّ القدّيس نكتاريوس كثيراً القدّيس مينا، ولا ننسى أنّه شُرطِن شماسّاً في كنيسة القدّيس مينا في جزيرة "خيوس", وكان يظهر له القديس مينا بشكل متواصل. ففي مساء أحد الأيام ذهبت الراهبات إلى غرفته لتُعلمه أنّ المائدة جاهزة، لكنها رأته جالساً مع جنديّ، فعادت أدراجها دون أن تقول له شيئا، لأنه كان قد أوصى بألاّ يزعجه أحدٌ عندما يكون جالساً مع شخص ما. إلاّ أنّ الراهبات أرسلْنها من جديد لتعلًمه أنّ المائدة جاهزة، فذهبت ورأت الغريب يغادر الدير فسألت القدّيس: "آه يا سيّدنا من كان هذا الجندي؟" فقال لها: "أشاهدته؟" ووضع يده على فمها مشيراً ألاّ تقول لأحد عمّا رأت. وقال لها: "إنّه القدّيس مينا". وحدث أنّه عندما باشروا ببناء الدير، كانوا يأخذون المياه من نبعٍ لأحد جيرانهم، ولكن بما أن الماء كان قليلاً امتنع صاحب النبع عن إعطائهم مياه من نبعه. فلجأ القدّيس إلى الصلاة، وكانت النتيجة أن فاض النبع بشكل ملحوظ ممّا جعل صاحب النبع لا يكتفي بإعطاء الدير ماءً منه بل وهب نبعه للدير. وهكذا كان القدّيس باتكاله على الربّ يعبر كلّ الصعوبات التي تواجهه. اهتم القدّيس نكتاريوس بالكتابة أيضاً، فكان يُمضي الليالي ساهراً، مصلّياً مواظباً على المطالعة والكتابة. وترك لنا العديد من المؤلّفات المفيدة جداً.
وبعد عودته إلى الإسكندرية سامه البطريرك كاهناً عام 1886م، وعيّنه واعظاً وأميناً لسرّ البطريركية، فضلاً عن كونه الوكيل البطريركي في القاهرة، فأخذ القدّيس نكتاريوس يقوم بعمله بكل جدّ ونشاط. مضت على هذه الحالة خمس سنوات، حيث سيِمَ بعدها ميتروبوليتاً على "المدن الخمس - PENDAPOLEOS"، وقد أحبّه الجميع وتعلّقوا به لتواضعه وبساطته وسعة قلبه. فقد فهم الكهنوت لا تسلّطاً وزعامة بل خدمة وتواضعاً وبذلاً للذات. وكان يصلّي إلى الربّ قائلاً: "ربّي، لماذا رفعتني إلى هذه المرتبة العالية؟ لقد طلبت منك أن أصبح لاهوتياً فقط وليس أسقفاً. منذ صباي كنت أطلب إليك أن تؤهلّني لأصير واحداً من عمالك البسطاء، أمّا أنت يا ربّ فإنك تختبرني الآن بأمور كثيرة، لكني أخضع لمشيئتك وأطلب إليك أن تجعل فيّ التواضع دائماً، وأن تغرس فيّ بذور الفضائل الأخرى، وأن تؤهّلني لأن أعيش بقية زمان حياتي حسب قول الرسول بولس الإلهي: لست أنا أحيا بل المسيح يحيا فيّ". ولكن للأسف، وشى به بعض الغيورين إلى البطريرك على أنّه يسعى لأن يصير بطريركاً، فصدّق البطريرك الوشاية الكاذبة وغضب على نكتاريوس وطرده خارج مصر. أما القدّيس فقد قبل ما قد حلّ به بشكرٍ ودون أيّ تذمّر واعتبره امتحاناً إلهياً. وهكذا وجد نكتاريوس نفسه مقطوعاً، مُبعَداً، مشوّه السمعة. ومنذ تلك اللحظة أضحت حياته سلسلة من المحن كأنها لا تنتهي، فلا يكاد يمرّ نهارٌ من دون شقاء ومرارة وهموم وفخاخ تُنصَب له هنا وهناك، ومؤامرات صغيرة وكبيرة تُحاك ضدّه كما لو كان إنساناً خطيراً. والحقّ أنه هكذا كان خطيراً ولكن، بوداعته وصبره. لقد لاحقه عدّوه في كل مكانٍ لاسيّما من خلال ذوي النفوس الصغيرة، وعدوّه كان إبليس، ولإبليس في العالم ألف عميل وعميل. أتى نكتاريوس إلى أثينا عام 1889م ولم يكن يملك شيئاً، لا مال ولا ممتلكات. ولحقت به الوشاية الكاذبة إلى أثينا، ووصِم اسم نكتاريوس بالعار والزنى واللاأخلاقية، فبقي سنة كاملة دون أي عمل عابرا أيامه باتكاله على الله ومعونته الإلهية. وأخيراً تمّ تعيينه في "خلكيذة" - منطقة قرب أثينا - فشكر الرب واستلم مهمّته وأخذ يعمل كعادته بكل جدّ ونشاط بالرغم من الصعوبات الكثيرة التي واجهها من خصومه والواشين به. بقي في مركزه هذا مدة سنتين ونصف، إلى أن انكشف الأمر على حقيقته عندما أرسل سكان الإسكندرية رسالة إلى أثينا يوضحون فيها محبّتهم وتعلّقهم بالقدّيس وأنّ ما لحق به لم يكن سوى وشايات كاذبة. وهكذا تغيّرت الأمور وانقلبت لصالح القدّيس، فنقلوه إلى "لاكونية" ومن ثمّ إلى "افثيوتيذة"، ومن هناك تمّ تعيينه مديراً للمدرسة الإكليريكيّة، مدرسة "روزاريو"، في أثينا، وذلك في عام 1894م. أمّا هو فكان كعادته يبذل كلّ طاقاته وجهوده كي يخدم بالطريقة الأفضل، فكان يعطي نفسه دون حسبان في سبيل الآخرين وخلاص نفوسهم. كان مديراً وأباً في الوقت ذاته ممّا جعل الطلاب يتعلقون به ويرجعون إليه في أمورهم. لقد بلغت مدرسة "روزاريو" أوجّها في أيام القدّيس نكتاريوس. بقي القدّيس مديراً للمدرسة 14 سنة، وإنّ نشاطه خلال هذه المدّة لم ينحصر في المدرسة فقط، بل كان يعِظ في كنائس عديدة في أثينا، كما كان يلجأ إليه العديد من الشبان والشابات للاسترشاد والاعتراف. وأعطى من وقته أيضاً للكتابة، فترك لنا مؤلفات مفيدة جداً. كان القدّيس نكتاريوس مثالاً لمشاركة الآخرين في آلامهم وأفراحهم. فعندما كان مديراً للمدرسة مرض الموظف المسؤول عن مهام التنظيفات، وأوصاه الأطبّاء ألاّ يعمل لفترة شهرين. لكن هذا المسكين كيف سيعيش؟ إذ لم تكن موجودة بعد التأمينات الاجتماعية لمساعدة الموظفين، فكان من الطبيعي أن يعيّنوا شخصاً آخر مكانه. لكن القدّيس قال له: "انتبه أنت إلى صحتك وكلّ الأمور سوف تتدبر". وهكذا ففي كل صباح، وقبل أن يستيقظ التلاميذ، كان ينهض القدّيس وينظف الساحات والممرات والمراحيض، دون أن يعيّن شخصاً آخر مكان ذاك، وكان يدفع الأجر المعتاد للموظف المريض. وحدث في أحد الأيام أن أتى هذا الموظف إلى المدرسة بدافع الفضول، وإذ به يشاهد القدّيس ماسكاً بالمكنسة ينظف الساحات، فبُهت ووقف متأملاً وقال له: "أأنت يا سيّدنا تنظّف عني؟ لن أقبل هذا أبداً" فقال له القدّيس: "أنت يا ولدي اذهب إلى بيتك وانتبه إلى صحتك ولا تهتم الآن بنظافة المدرسة، لأننا إن عينّا آخر سواك فسوف نخسرك، وهكذا عليّ أن أساعدك في شدّتك هذه، لكن انتبه ألاّ تقول لأحد عمّا شاهدت". أحبّ القدّيس نكتاريوس حياة الرهبنة كثيراً، فكان يؤمن أنّها العظة الأكبر للناس، وهكذا كان مسعاه أن يؤسّس ديراً ما، وقد تحقّق حلمه، إذ أنّ ثمانية بنات من أولاده الروحيّين أردن الترهّب، فأتى بهنّ إلى دير الثالوث الأقدس، الكائن في جزيرة صغيرة بالقرب من أثينا تدعى "آيينا - AIGINA". حيث أرسل في البداية ثلاثة منهن، ومن ثمّ رويداً رويداً التحقت الأُخريات بالدير. كان يتردّد عليهن من المدرسة التي يديرها من أثينا كي يرعاهن ويدبّر أمورهن الروحيّة والماديّة.
عندما أصبح في الرابعة عشرة من عمره ذهب إلى القسطنطينية بهدف العمل. وهناك بعد جهدٍ جهيدٍ تمكّن من الحصول على عمل عند أحد أقربائه في معمل للدخّان. إلاّ أن أجره كان قليلاً جدا ممّا اضطره لأن يمضي أيامه جائعاً مَعُوزاً. كان يزورُ الكنيسة بشكلٍ متواصل مستمداً تعزيته من الصلاة الدائمة. في أحد الأيام كتب رسالةً على المسيح طالباً منه المعونة جاء فيها ما يلي: "يا ربّي يسوع، تسألني لماذا أبكي. ثيابي اهترأت وحذائي تخرَّق، وأنا حافي القدمين، موجوعٌ متضايق. نحن في فصل الشتاء وأنا بردان. البارحة مساءً أعلمت صاحب المحل بحالي فسبَّني وطردني. قال لي أن اكتب رسالةً إلى القرية حتى يبعثوا لي بما أحتاج إليه. ولكني، يا ربّي يسوع، منذ أن بدأتُ بالعمل لم أُرسٍلْ لوالدتي قرشاً واحداً...ماذا تريدني أن أعمل الآن؟... كيف أعيش بلا ثياب؟... ثيابي أَرتيها فتعود وتتمزَّق من جديد. سامحني على إزعاجي. أسجد لكَ وأمجِّدُك خادمُك أنسطاسيوس" ثم طوى الرسالة ووضعها في ظرفٍ وكتب العنوان التالي: "إلى ربّنا يسوع المسيح في السماوات". لكن موظف البريد عندما رأى هذا العنوان الغريب فتح الرسالة وقرأها وكان لها وقعٌ كبيرٌ في نفسه، فأعطى أنسطاسيوس مبلغاً لا بأس به من المال، فأخذه أنسطاسيوس شاكراً واشترى له ثياباً وحذاءً وبعض الحاجيّات الأخرى، إلاّ أنّ صاحب العمل عندما رأى ثيابه جديدة طرده متّهماً إيّاه بالسرقة، فذهب وعمل في أحد المحال. كان أنسطاسيوس يتوقُ دوماً لزيارة الأماكن المقدّسة، وهكذا في أحد الأيام عزم على السفر بحراً إلى المدينة المقدّسة، لكن المركب في مسيرته الطويلة واجه عاصفةً هائلةً وأشرف على الغرق، فصرخ القبطان بالمسافرين كي يلجأوا إلى قوارب النجاة. إلاّ أن أنسطاسيوس صرخ إلى ربّه قائلاً: "كيف تسمح بهذا؟! لا أريد أن أموت، أريد أن أحيا كي أكرز بك". وأخرج صليبه، الذي قد أعطته إيّاه جدّته، من عنقه وربطه بزناره ودلاّه إلى البحر ثلاث مرات، ويا للعجب! إذا بالعاصفة تهدا وأخذ الجميع يمجّدون الله وعمّ الفرح. لكن أنسطاسيوس أضاع صليبه إذ أفلت من يده في مياه البحر... وأثناء مسيرتهم أخذوا يسمعون ضرباتٍ في أسفل المركب. فأرسل القبطان بحّارة كي يروا الأمر، لكنهم لم يجدوا شيئاً. وعند وصولهم إلى الميناء عادوا فسمعوا هذه الضربات. فأرسل القبطان قارباً كي يبحث خارج المركب عن السبب. وعندما توجّهوا إلى مكان الصوت فإذا بهم يجدون صليباً صغيرا، وكان صليب أنسطاسيوس! ومنذ ذلك الحين لبس أنسطاسيوس صليبه الصغير هذا طوال حياته. إنّه الصليب الذي يظهر في إحدى صوره مع اسكوفّتِهِ الرهبانية. هناك في مدينة القدس توظّف في مدرسة القبر المقدّس حيث اخذ يعلّم في الصفوف الابتدائية بينما يتلقّى الدروس في الصفوف العليا في الوقت ذاته، وكان يعكف على مطالعة كتب الآباء وخاصة حياة القدّيسين. هذه الفترة من حياته كانت ذهبية لأنه عمل في حقل الكنيسة. لم يفتٍنْه العالم في شيء، بل المصلوب والكنيسة الأرثوذكسية المصلوبة التي أغنت وتُغني الكثيرين. في العشرين من عمره ذهب إلى جزيرة "خيوس"، في بلاد اليونان، وسكن في قرية "ليثي" حيث عمل فيها كمدرس لمدة سبع سنوات. ترسّخت في نفسه خلال هذه السنوات بديهيّتان: أولاهما: أن كلّ إنسان مولودٌ خاطئاً، شاءَ أم أبى، وأنّ هذا العالم موضع السقطات الذي علينا فيه أن نصارع الخطيئة. وثانيهما: أنّ الربّ يسوع المسيح، كلمة الله، الأقنوم الثاني من الثالوث القدُّوس، المصلوب والناهض من بين الأموات، الذي لمسه توما، هو إيّاه المخلّص الأوحد. هاتان البديهيّتان كانتا بالنسبة إليه بداية الطريق إلى السماء ونهايته. كان همّه الأول والأكبر أن يضيء شعلة الأرثوذكسية في النفوس من جديد. كان معروفاً ببساطته وصدقه وأمانته. ففي المدرسة كان يسهر على تلامذته معتنياً بهم. وعندما يعود إلى بيته كان يغلق على نفسه عاكفاً على الصلاة والصوم. لكن شوقه للحياة الملائكية وغلى تقديم ذاته كليّاً للرب كان يزداد يوماً بعد يوم، فذهب إلى دير جزيرة "خيوس" وترهّب فيه. وبقي في الدير ثلاث سنوات مُجاهداً وعاكفاً على الصلاة ومطالعة الكتب المقدّسة والآباء، فأحبّه جميع الرهبان وقدّسوا جهاده. وفي عام 1877م سامه ميتروبوليت الجزيرة شمّاساً باسم "نكتاريوس" في كنيسة القدّيس مينا العجائبي. أراد أحد سكان الجزيرة ويدعى "خورميس" أن يقوم بمساعدةٍ لبلده، وذلك بأن يدرّس أحد شبّانها على نفقته. وعندما سمع بالشمّاس الجديد أرسله بإذن الميتروبوليت إلى أثينا حيث أنهى دراسته الثانوية هناك، وبعد ذلك أرسله خورميس إلى بطريرك الإسكندرية "صوفروينوس" مع رسالةٍ يطلب فيها من البطريرك مساعدة الشمّاس نكتاريوس. فقبله البطريرك بفرح، وعندما تحقّق من فضيلته أرسله من جديد إلى أثينا كي يدرس اللاهوت. فنال إجازة اللاهوت عام 1885م.
لكن، لم يتسلل الخوف، بنعمة الله، إلى نفس مطرونة، بل ثبتت صائمة مصلية وكأن هجمات الشياطين وزئيرهم عليها لا يعنيها. ولكي تتمكّن قوات الظلمة من خداعها عمدت في مرحلة لاحقة إلى إدعاء التقوى فكانت تشارك مطرونة التسابيح خلال الخدمة. غير أن العناية الإلهية كشفت لعيني هذه المجاهدة الكبيرة حيل الأبالسة ضدها. وهكذا نجت من فخاخ العدو ومجّدت الله. ثم بعد حين بدأ بعض النسوة الوثنيات يأتينها مأخوذات بمثالها، يسألنها أن يعتمدن وينضوين تحت لوائها. أقامت مطرونة في بيروت، هي وتسعة من التلميذات، أشهرا أو ربما بضعة سنوات. وقد ذكر البطريرك مكاريوس في مؤلفه" قدّيسون من بلادنا" أنها" استنبعت بصلاتها الماء العذب الموجود الآن في بيروت". والحديث هو من القرن السابع7 عشر. ومن بيروت عادت مطرونة إلى القسطنطينية حيث أقامت في قلاية قريبة من دير القديس باسيان. ثم استدعت، بعد حين، راهباتها في بيروت. ويبدو أن صيتها ذاع، من جديد، في وقت قصير فأخذت النسوة التقيات، لاسيما طبقة النبلاء، يتدفقن عليها لينتفعن من ارشادها وينلن بركتها. وقد تركت عدة نبيلات العالم وأتين إليها مقتبلات حياة الفقر والطاعة تحت جناحيها. هؤلاء النسوة حملن معهن أموالاً وعطايا جزيلة استخدمتها القدّيسة في بناء دير ما لبث أن أضحى أهم الأديرة في المدينة. عاشت مطرونة ما يقرب من مئة عام. ويبدو أنها حافظت على مستوى نسكها حتى الأخير. وقد عرفت بيوم وفاتها سلفاً فعزّت بناتها بأخبار الفردوس الذي منّ عليها الرب الإله بمشاهدته. ثم ودعتهن ورقدت بسلام. ✥ القدّيسان الشهيدان أونيسيفوروس وبرفيريوس (حوالي العام 308م): رغم أن ثمة مصادر تؤكد أن أونيسيفوروس الشهيد هو إياه أونيسيفوروس الوارد ذكره مرتين في رسائل القديس بولس الرسول(2تيمو1: 16و19:4) وان برفيريوس واحد من الرسل، فإن الرأي عندنا هو أنهما عاشا في غير زمن الرسول بولس، وأنهما استشهدا في زمن الإمبراطورين ديوكليسيانوس ومكسيميانوس. ويبدو أنهما مثلا لدى حكّام ذلك الزمان فاعترفا بالرب يسوع المسيح بكل جسارة، وأن لا إله إلاّه ولا ملك حقيقياً سواه، وقد كابدا على الأثر ألواناً شتى من التعذيب، فضربا ضرباً مبرحاً وشويا شيّاً. في كل ذلك كانا يسبّحان الله مبديين في آلامهما غبطة من غير هذا العالم. وقد أثار مشهدهما حفيظة معذّبيهما إذ بدا لهم وكأن الشهيدين يستهينان بتدابيرهم كما لو كانت على غير جسديهما. فما كان منهم سوى أن أوثقوهما بأرجلهما إلى خيول جامحة أطلقوها، فراحت تعدو مناطحة الريح، فيما انسحب جسدا القدّيسين سحبا، تارة فوق الأتربة وتارة بين الحجارة وتارة بين الأشواك. وقد أدى ذلك كله إلى تمزّق جسديهما تمزيقاً. وبعدما أسدل الستار على الفصل الأخير من استشهادهما جاء بعض الأتقياء ورفعوا أشلاءهما وواروها الثرى. وثمة من يقول أن رفاتهما أودعت ناحية المدن الخمس الليبيّة. ✥ القديس الشهيد أنطونيوس الذي من بلد الشام: ورد ذكره في كتاب "قديسون من بلادنا" للبطريرك مكاريوس الزعيم. وقد قال عنه أنه استشهد في مدينة أفاميا. ولعله إياه أنطونيوس الشهيد الذي أورد أبو الريحان البيروني، الفارسي الأصل، المتوفى سنة 1048م، ذكره متهكماً في مؤلفه "الآثار الباقية من القرون الحالية" في سياق إيراده أعياد الروم في بلاد فارس. عيد القديس أنطونيوس عند البيروني يوافق التاسع والعشرين من كانون الأول. وقد ورد بشأنه أنه أبو روح، ابن عم هارون الرشيد (766 _809م)، صار مسيحيّا بعد الإسلام فصلبه الخليفة. وقيل، في غير مصدر، أنه من أشراف العرب وكان نازلاً بدمشق في موضع يقال له النيرب في دير القديس ثيودوروس وأنه استشهد في الرقة السورية. ✥ أبونا البار نكتاريوس، أسقف المدن الخمس، الصانع العجائب ومؤسس دير الثالوث القدّوس في جزيرة آيينا اليونانية (+1920): وُلد أنسطاسيوس (القدّيس نكتاريوس) سنة 1846 م في "سيليفْريا – SILIVRIA" في منطقة "ثْراكي - "THRAKI في بلاد اليونان، من أبويين تقيَّين: "ذيموس" و"فاسيليكي" . تلقَّى انسطاسيوس دروسه الأولى في بلدة سيليفْريا إلاّ أنَّه لم يستطع متابعة علومه بسبب فقر عائلته. أبدى أنسطاسيوس منذ طفولته ميلاً شديداً كي يصبح لاهوتيّاً يكرِزُ بالإنجيل. فكان عندما يردّد مع جدَّته المزمور الخمسين" ارحمني يا الله بعظيم رحمتك..." وعندما يصلان إلى "فأُعلِّم الأثمة طرُقَك، والكفرةُ إليك يرجعون" كان يضع يده على فم جدَّته قائلاً لها: "جدتي دعيني أقوله أنا، أنا سوف أُعلّم الناس". وفي إحدى المرات عندما ناهز السابعة من عمره، اشترى مجموعةً من الأوراق وأخذ يجمعها ككتاب، فسألته أمُّه: "ماذا تفعل يا بنيّ؟!" فأجابها: "سأصنع من هذه الأوراق كتاباً أكتبُ عليه كلام الّله". وكم من المرات بعد عودته من الكنيسة كان يجمع الأولاد الذين من عمره ويتلو عليهم العِظة التي سمعها. أمَّا أهله وأقرباؤه فعندما كانوا يرون حماسه هذا كانوا يقولون: "تُرى ماذا سيصبح هذا الصبي؟!".
وفي معرض الحديث عن التواضع وحبه للفقراء أن إخوة سألوه مرة: "ماذا تقول يا أبانا هل يجب أن تقرأ المزامير كثيراً؟ فرد قائلاً: إن الراهب لا تفيده القراءة والصلوات ما لم تكن متواضعاً محباً للفقراء والمساكين". قيل عنه أنه متى أبصر إنساناً أخطأ كان يبكي بكاء شديداً ويقول: "إن هذا أخطأ اليوم ولكنه ربما يتوب. أما أنا فإني أخطئ غداً وربما لا أعطى مهلة كي أتوب. هكذا يجب أن نفكر ولا ندين أحداً". ولهذا كان يسافر إلى مسافات بعيدة لهداية الخطأة. وقال عن نفسه: "أنا أشبه إنساناً جالساً تحت شجرة عظيمة، ينظر إلى الوحوش والذئاب وهي مقبلة نحوه. فإذا لم يستطع ملاقاتها يهرب صاعداً فوق الشجرة لينجو منها. هكذا أنا جالس في قلايتي أبصر الأفكار الخبيثة تأتي إلي، فإذا لم أستطع صدّها هربت إلى الله بالصلاة ونجوت". قال في أهمية الصوم والجوع إنه إذا أراد ملك الاستيلاء على مدينة فإنه يمنع عنها الطعام والماء أولاً، فيستسلم له سكانها بسبب الجوع. هكذا هو حال أهواء الجسد. إذا عاش الإنسان بالصوم والجوع فإن أعداء النفس تمرض. وقد ميّز الله صفيه يوحنا بمعرفة الخفايا. فعندما كان يقدّس الأسرار كان يعرف من يستحق التناول ومن لا يستحق. ولهذا فإن كثيرين تابوا ورجعوا إلى الله بكل قلوبهم. ومن تعاليمه: "أريد الإنسان أن يأخذ قليلاً من جميع الفضائل. وبالتالي عندما تستيقظ كل صباح أبدأ من جديد، في كل فضيلة ووصية، وذلك بصبر عظيم وخوف وطول أناة ومحبة الله من كل الجسد والنفس، وبتواضع كبير وصبر على ضيقات القلب والسجن أيضاً، بصلاة كثيرة وشفاعات وتنهد وعفة في اللسان وحفظ للعين، محتملاً الإهانة وغير غضوب، مسالماً وغير مقابل الشر بالشر، غير مراقب لهفوات الآخرين ونقائصهم وغير معتبر نفسك ذا شأن كونك دون الخليقة كلها، في رفض للماديات والجسديات، في صليب وجهاد، في مسكنة الروح ونسك ونوح وصوم وتوبة، في جهاد في الحروب، في تمييز، في عفة نفس، في هدوء في العمل وشوق إلى عيش المحبة، في سهر الليل، في جوع وعطش وبرد وعري، في أتعاب، قافلاً قبرك كأنك متّ منذ الآن وكأنك تعتقد أن موتك بات وشيكاً في كل ساعة". سأله أحد الآباء مرة: "ما الذي يجعل الراهب راهباً؟" أجاب: "التعب، لأن على الراهب أن يتعب في كل عمل...". وعندما قربت ساعة انتقاله ظهر له الرب يسوع المسيح وأعلمه بذلك. وصباح الأحد التالي باكراً جاءت إليه رتب الملائكة وطغماتها. فلما رآها القديس فرح جداً ووقف يصلي باسطاً يديه صوب الشرق، وأثناء ذلك أسلم الروح. وقد كان له من العمر ثمانون سنة، ونال منزلة الملائكة الأطهار والرسل الأبرار. اقترن موته بشفاء المرضى وطرد الأرواح الشريرة إثر عبوره ببعض المضنوكين. واستمر ذلك بعد أن واروه التراب. ✥ أمنا البارة مطرونة الحمصية: (القرن السادس): ولدت القدّيسة مطرونة في برجة في بمفيلية أسيا الصغرى أيام الإمبراطور البيزنطي مرقيان(450-457م). وقد عمد ذووها وهي في أوائل العقد الثاني من عمرها إلى إعطائها زوجة لرجل لامع اسمه ضومط. ويبدو أنها أنجبت منه بنتاً سميّاها ثيودوتي وانتقلت وإياه إلى مدينة القسطنطينية وهي في الخامسة عشرة من عمرها. في القسطنطينية التقت مطرونة سيّدة مرفّهة راقية تدعى افجانيا فتحابا وتصادقا ولاسيما وأنه كان لهما فكر واحد وتوق واحد إلى القداسة، فكان كل منهما للآخر تعزية من الله وتشديداً. ولاحظ ضومط أن زوجته تكثر من الخروج من البيت فساورته الشكوك بشأنها وحرّم عليها مغادرة المنزل إطلاقاً. وقد آلمها ظلم زوجها لها أشد الألم لكنها اعتصمت بالصبر ولازمت الصلاة سائلة المعلم التفاتة وأن يمن عليها بتحقيق منية قلبها أن تنصرف إلى وجهه تماماًُ. وإن هي سوى أيام حتى أذن لها زوجها بالخروج إلى الكنيسة. وهناك التقت إحدى العذارى، المدعوة سوسنّة. هذه ارتضت أن تتعهّد لبنتها ثيودوتي. أما مطرونة فقامت إلى ثوب للرجال تزيّت به وغيّرت هيئة وجهها وفرّت من منزل زوجها متخذة بابيلا اسماً مستعاراً لها ومدعية أنها خصي. وجهة مطرونة كانت دير القدّيس باسيان في المدينة العظمى. هناك انخرط بابيلا في مصاف طلاب الحياة الملائكية راهباً. وما لبث، بعد مدة يسيرة، أن أضحى نموذجاً يحتذى في الطاعة والاتضاع والصبر والصلاة وسائر أتعاب الرهبنة. ولكن، ما كاد يمضي بعض الوقت حتى عرف باسيان، ربما بالكشف الإلهي، أن بابيلا ليس سوى امرأة، فخاف على الشركة. ولما كان يدّخر لها اعتباراً وتقديراً كبيرين، لم يشأ أن يخلّيها صفرة اليد فأشار إليها بالذهاب إلى دير للعذارى في مدينة حمص السورية. في حمص استمرت مطرونة تنمو في النعمة والقامة. وكانت كلّما ترسّخت في حياة الفضيلة ازدادت حرصاً على إخفاء أمرها وفضائلها. لكن شهرتها ما لبثت أن ذاعت فقامت إلى أورشليم ومنها إلى بيروت هرباً. وفي بيروت اتخذت مطرونة هيكلاً وثنياً مهجوراً ملاذاً لها. وقد أثار نزولها في المكان جنون الشياطين لأنهم اعتبروا الموضع خاصاً بهم.
17- فِي ذَٰلِكَ الزَّمَانِ، وَقَفَ يَٰسُوعُ فِي مَوْضِعٍ سَهْل، هُوَ وَجَمْعٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الشَّعْبِ، مِنْ جَمِيعِ الْيَهُودِيَّةِ وَأُورُشَلِيمَ وَسَاحِلِ صُورَ وَصَيْدَاءَ، الَّذِينَ جَاءُوا لِيَسْمَعُوهُ وَيُشْفَوْا مِنْ أَمْرَاضِهِمْ،18وَالْمُعَذَّبُونَ مِنْ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ. وَكَانُوا يَبْرَأُونَ.19وَكُلُّ الْجَمْعِ طَلَبُوا أَنْ يَلْمِسُوهُ، لأَنَّ قُوَّةً كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْهُ وَتَشْفِي الْجَمِيعَ.20وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ:«طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْمَسَاكِينُ، لأَنَّ لَكُمْ مَلَكُوتَ اللهِ.21طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْجِيَاعُ الآنَ، لأَنَّكُمْ تُشْبَعُونَ. طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الْبَاكُونَ الآنَ، لأَنَّكُمْ سَتَضْحَكُونَ.22طُوبَاكُمْ إِذَا أَبْغَضَكُمُ النَّاسُ، وَإِذَا أَفْرَزُوكُمْ وَعَيَّرُوكُمْ، وَأَخْرَجُوا اسْمَكُمْ كَشِرِّيرٍ مِنْ أَجْلِ ابْنِ الإِنْسَانِ.23اِفْرَحُوا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ وَتَهَلَّلُوا، فَهُوَذَا أَجْرُكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاءِ. ✥ السِّنْكسَار ✥ ✥ أبونا القديس سمعان المترجم (القرن العاشر): ولد في مدينة القسطنطينية في زمن الإمبراطور لاون السادس (886 (912م). امتاز بذكائه وعمق ثقافته. اختير مستشاراً لكل من الأباطرة البيزنطين نقفر فوقا (963 _969م) ويوحنا نسيميكيس (969 _976م) وباسليوس الثاني (976 _1025م). لما اجتاح العرب جزيرة كريت أوفده الإمبراطور إلى هناك مفاوضاً. ويبدو أنه أصاب في مهمته نجاحاً كبيراً. أثر ذلك شاء الإمبراطور مكافأته فسأله أن يطلب ما ترغب به نفسه ليكون له، فاختار الاعتزال وأن يصبح راهباً. انصرف إلى جمع سير القديسين وقد كانت، إلى ذلك الوقت، مبعثرة، مكتوبة بلغة لا تتماشى ولغة العصر. كابد أتعاباً جزيلة بغية جمع وإعادة كتابة أكثر من مئة وستة وأربعين سيرة أضحت، فيما بعد، أساس السنكسارات الأرثوذكسية اللاحقة. من هذا لقبه "المترجم". يضاف إلى ذلك عمله في نشر الكتابات النسكية للقديسين باسيليوس الكبير ومكاريوس المصري في شكل موجز ميسر، وإخراجه موجزاً تاريخياً جامعاً وأعمالاً أخرى لمجد الله وثبات كنيسة المسيح. ✥ أمنا البارة ثيوكتيستي (القرن التاسع): نشأت في جزيرة ليسبوس. نزل القراصنة الجزيرة مرة، على غرّة، فاستولوا على ما طالته أيديهم، كما استاقوا عدداً من سكان الجزيرة أسرى طمعاً في بيعهم رقيقاً. وفي طريق العودة شطّطوا في جزيرة باروس ليفحصوا الغنيمة. هناك خطر ببال ثيوكتيستي أن تهرب، فتغلغلت بين الأشجار الغضّة. بحث عنها القراصنة فلم يجدوها فقفلوا عائدين. أما ثيوكتيستي فلجأت إلى كنيسة مهجورة. عمرها يومها كان ثمانية عشر ربيعاً. ولما كان ما جرى بتدبير من الله لأن الفتاة كانت في قرارة نفسها تشتاق إلى حياة التوحّد، فقد انصرفت إلى الحياة الملائكية.عاشت على مثال القدّيسة مريم المصرية. وقد أمضت في الجزيرة ثلاثين سنة وخمساً لم تر فيها إنساناً البتة، ولا تحدّثت إلى غير ربها ووالدته وقديسيه. جهاداتها وأتعابها كانت خارقة. ولما التقاها صياد نزل الجزيرة بعد ذلك كانت قد استحالت شبه شبح: بيضاء الشعر، محروقة الوجه، سوداء من لهيب الشمس، وطبقة من الجلد المتموّج القاسي تغطي عظامها وأعضاءها. كل كثافة البدن كانت قد زالت. كانت عارية وتغطت برداء الصيّاد. سألته أن يأتيها بالقدسات، ثم بعد أيام رقدت بسلام في الرب. كان ذلك في العام 881 للميلاد. ✥ أبونا البار يوحنا القصير(القرن الرابع): عاش في برية الإسقيط في مصر وكان كبيراً عظيماً في الرهبان جداً. كان مطيعاً لأبيه بموا ملازماً له حتى موت معلمه. ينقل عنه أن معلمه دفع إليه مرة غصناً يابساً وأمره أن يغرسه ويسقيه كل يوم جرّة ماء. وكان موضع الماء بعيداً فكان يمضي في العشية ويعود غداة اليوم التالي. داوم على ذلك ثلاث سنوات إلى أن اخضر الغصن وأعطى ثمرة فجاء بها إلى الشيخ فأخذها الشيخ إلى الكنيسة، في الأحد التالي، ودعا الإخوة قائلاً: "هلم كلوا من ثمرة الطاعة. عندما أشرف معلمه على الموت واجتمع حوله الشيوخ أمسك بيد تلميذه يوحنا وباركه وسلّمه إليهم قائلاً: "هذا ملاك لا إنسان". وعُرف بتواضعه أيضاً حتى قال عنه أحد الآباء: "إنه بتواضعه علّق الإسقيط كله بأصبعه الصغير". وقد اعتاد الآباء أن يقولوا فيما بينهم: "حقاً أن يوحنا أعطى من الله أكثر منا لأنه بتول طاهر". كانت له دالة عند الله فطلب منه مرة أن يرفع عنه الآلام فكان له ما أراد. فلما أعلم الشيخ بالأمر أنه قد استراح وليس ما يقاتله بعد، خاف عليه وقال له: "امض أسأله الله أن يرجع إليك القتال، لأنه بالقتال تنجح النفس وتفوز". فلما جاءه القتال لم يصل كي يرتفع عنه بل كان يقول: "أعطني يا رب صبراً على الاحتمال". وكانت العادة في زمن الحصاد أن ما يجمعه الشيوخ يحتفظون بنصفه والنصف الآخر يوزعونه على المحتاجين. أما القديس يوحنا فكان يعطي الكل ولا يبقى لنفسه شيئاً.