مِن أمثال العرب قولهم:
«أندمُ من الكُسَعيّ»
وحكاية المثل فيما روي أنّ رجلاً من بني كسع كان يرعى إبلاً له في وادٍ فيه شجر الحمض والشّوحط، فاتّخذ منه قوساً وقال وهو ينحت القوس:
يا ربّ سدّدني لنحتِ قوسي
فإنّها مِن لذّتي لنفسي
وانفع بقوسي ولدي وعِرسي
أنحتها صفرا كلون الورسِ
كبداء ليست كالقسيّ النّكسِ
حتّى إذا فرغ من نحتها، برى خمسة أسهم، ثمّ قال:
هنّ وربّي أسهمٌ حِسانُ
يلذّ للرّامي بها البنانُ
كأنّما قوّمها ميزانُ
فأبشروا بالخِصب يا صبيانُ
إن لم يعقني الشّؤم والحِرمانُ
ثمّ خرج ليلاً حتّى أتى قترة _وهي المكان الّذب يختبئ فيه الصّائد_ على موارد حمر الوحش فكمن فيها، ورمى عيراً منها فأصابها وأورى السّهم في الصّوّانة ناراً، فظنّ أنّه أخطأ، فقال:
أعوذ بالمهيمن الرّحمنِ
مِن نكدِ الجَدّ مع الحرمانِ
ما لي رأيتُ السّهم في الصّوّانِ
يوري شرار النّار كالعقيانِ
أخلفَ ظنّي ورجا الصّبيانِ
ثمّ وردت الحمر ثانية، فرمى عيراً منها فأصابه، وظنّ أنّه لم يصبه في هذه المرّة أيضاً، فقال:
أعوذ بالرّحمن من شرّ القدرْ
لا بارك الرّحمن في أمّ القُتَرْ
أأمغط السّهمَ لإرهاق الضّررْ
أم ذاك من سوء احتيالٍ ونظرْ
أم ليس يغني حذرٌ عند قدرْ
ثمّ وردت الحمر ثالثةً، فرمى عيراً منها فأصابه وهو يحسب أن لم يصبه، فقال:
إنّي لشؤمي وشقائي ونكدْ
قد شفّ منّي ما أرى حرُّ الكبدْ
أخلفَ ما أرجو لأهلٍ وولدْ
ثمّ وردت الحمر، فرمى عيراً منها وظنّ أنّه لم يصبه، فقال:
ما بال سهمي توقد الحباحبا؟
قد كنت أرجو أن يكون صائبا
إذ أمكن العيرَ وأبدى جانبا
فصار رأيي فيه رأياً كاذبا
أظلّ منه في اكتئابٍ دائبا
ثمّ وردت الحمر خامسةً فرمى عيراً منها فأصابه وهو يزعم أنّه لم يصب شيئاً، فقال:
أبعدَ خمسٍ قد حفظتُ عدّها
أحملُ قوسي وأريد ردّها
أخزى إلهي لينها وشدّها
واللهِ لا تسلم عندي بعدها
ولا أرجّي ما حييتّ رِفدها
ثمّ خرج من قترته حتّى جاء بالقوس إلى صخرةٍ فضربها بالقوس حتّى كسرها، ثمّ نام إلى جانبها حتّى أصبح، فلمّا أصبح رأى نبله مضرّجة بالدّماء، ونظر إلى الحمر خمساً مطروحة حوله، فعضّ إبهامه حتّى قطعها، ثمّ أنشأ يقول:
ندمتُ ندامةً لو أنّ نفسي
تطاوعني إذن لقطعت خمسي
تبيّن لي سفاه الرّأي منّي
لعمر اللهِ حين كسرتُ قوسي
يُضرَب هذا المثل في النّدم والأسف الشّديد على شيء ما، وقد ذكر الفرزدقُ هذا المثلَ في شعره بعد ندمه على طلاق زوجهِ نوار فقال:
ندمتُ ندامةَ الكُسعيّ لمّا
غدت منّي مطلّقة نوارُ
#أمثال_العرب