.
في الصحيحين ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﺮﺩﺓ ابن ﺃﺑﻲ ﻣﻮﺳﻰ عن أبي موسى ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻗﺎﻝ: "ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻓﻲ ﻏﺰﻭﺓ ﻭﻧﺤﻦ ﺳﺘﺔ ﻧﻔﺮ، ﺑﻴﻨﻨﺎ ﺑﻌﻴﺮ ﻧﻌﺘﻘﺒﻪ!
ﻓﻨﻘﺒﺖ ﺃﻗﺪاﻣﻨﺎ!
ﻭﻧﻘﺒﺖ ﻗﺪﻣﺎﻱ! ﻭﺳﻘﻄﺖ ﺃﻇﻔﺎﺭﻱ!
ﻭﻛﻨﺎ ﻧﻠﻒ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺟﻠﻨﺎ اﻟﺨﺮﻕ!
ﻓﺴﻤﻴﺖ ﻏﺰﻭﺓ ﺫاﺕ اﻟﺮﻗﺎﻉ، ﻟﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﻌﺼﺐ ﻣﻦ اﻟﺨﺮﻕ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺟﻠﻨﺎ!
ﻭﺣﺪﺙ ﺃﺑﻮ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻬﺬا ﺛﻢ ﻛﺮﻩ ﺫاﻙ!
ﻗﺎﻝ: ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺻﻨﻊ ﺑﺄﻥ ﺃﺫﻛﺮﻩ، ﻛﺄﻧﻪ ﻛﺮﻩ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻪ ﺃﻓﺸﺎﻩ"!
ذات الرقاع!
بخٍ بخٍ!
تأمّل هذه التسمية التي أتت على هيئة نادرة، ليس مما عهد من طريقة تسمية الغزوات والسرايا في العهد النبوي وما بعده.
لقد كان العهد أن تسمى الغزوات بأماكنها التي وقعت فيه أو حوله، كغزوة ﺑﻮاﻁ وهي جبال لجهينة ناحية رضوى، وﻏﺰﻭﺓ اﻟﻌﺸﻴﺮﺓ جهة ينبع وغزوة بدر بالبقعة وأحد بالجبل، والطائف وتبوك وخيبر والقادسية واليرموك هكذا.
أو بالقبيلة التي قوتلت كغزوة ﺑﻨﻲ ﺳﻠﻴﻢ، وغزوة غطفان، وغزوة بني المصطلق وهم قوم من خزاعة، وﻏﺰﻭﺓ ﺑﻨﻲ اﻟﻨﻀﻴﺮ.
أو أن تسمّى بما استعمله المسلمون فيها من وسائل وطرق في حرب العدو كغزوة الخندق أو ذات الصواري.
أو بأمر نادر وقع فيها كغزوة السويق، فإنها سميت بذلك لكثرة السويق الذي تركه المشركون يتخففون منه، فغنمه المسلمون.
لكن هذه الغزوة سميت بحدث استثنائي وقع فيها!
بشأن من شؤون البذل والعطاء والتضحية بالنفس في ذات الله!
غزوة ﺫاﺕ اﻟﺮﻗﺎﻉ!
وقد وقعت بنجد بمكان يقال له: ﻧﺨﻞ، لقي فيها ﷺ غطفان.
لقد كانت تسميتها بهذا من أجل ذلك الأمر العظيم الذي وقع للصحابة، وظهر به شيء من التضحيات الكبار التي وقعت منهم رضوان الله عليهم.
هل تأملتَ قوله -رضي الله عنه-:
"ﻓﻨﻘﺒﺖ ﺃﻗﺪاﻣﻨﺎ!
ﻭﻧﻘﺒﺖ ﻗﺪﻣﺎﻱ! ﻭﺳﻘﻄﺖ ﺃﻇﻔﺎﺭﻱ؟"
هل جرّبت المشي حافيًا على الحجر والشوك والرمضاء قليلًا؟ ووجدت ألمها وتعبها؟
في التدريبات العسكرية يدرس الجنود أنك لو خيرت بين حذائك وسلاحك؛ فاختر حذاءك! لأن الجندي إذا لم يكن عنده حذاء كان مآله القتل أو الأسر!
رضي الله عن أولئك الأطهار، فلا والله لم يبلغنا الدين بالهون والراحة، ولكن بالتضحيات الكبار!
ثم تأمّل شيئًا زكيًا آخر!
قال أبو بردة: "ﻭﺣﺪﺙ ﺃﺑﻮ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻬﺬا ﺛﻢ ﻛﺮﻩ ﺫاﻙ!
ﻗﺎﻝ: ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺻﻨﻊ ﺑﺄﻥ ﺃﺫﻛﺮﻩ، ﻛﺄﻧﻪ ﻛﺮﻩ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻪ ﺃﻓﺸﺎﻩ"!
لقد كره هذا الصحابي الكريم إفشاء عمله!
وإظهار جهاده!
ونشر صالح من صالح عمله، وهو من هو في تقواه وصلاحه وقربه من النبي ﷺ.
أدهشني كثيرًا عظيم البذل مع عظيم الخوف، وتلك سمة الأولياء، وعلامة المقربين.