مسار التغيير والتحرير بين علماء الدين وعلماء التنظيم ،،،
ميزان العدل في النظر لفتوى الشيخ سلمان الداية ورؤية رابطة علماء التنظيم في غزة.
(تابع القسم الثاني من المقال)
من المؤسف والمؤلم اليوم، في ظل حالة الضياع السياسي والاهتراء الإجتماعي الفلسطيني، وفي ظل تهاوي المشروع الإسلامي، والتراجع في مشروع التحرير، والنحر السياسي الذي تتعرض له حركة المقاومة الإسلامية حماس -نتيجة تواطئ أمريكي إيراني إسرائيلي عربي رسمي، بهدف دفن أكبر حالة جهادية تعبر عن الأمة العربية والإسلامية في مواجهة المشروع الصهيوني- ...
أقول من المؤسف اليوم الإشارة باللوم لقيادات الحركة الإسلامية والتي نحرت الشعب الفلسطيني باجتهادها الخاطئ، والذي بني على تصور ضال مضل وفاسد، قوامه أن الحلف مع العدو الإيراني -الذي يستهدف شعوب الأمة ودولها قتلا وحرقا ونهبا واحتلالا- سيفضي لتحرير فلسطين وبيت الله ومحل المعراج في الأقصى المبارك!
نعم لقد وقعنا بالفخ نتيجة لقراءتنا الخاطئة وتصوراتنا الفاسدة وارتباطاتنا وتحالفاتنا الحرام، فلم نهلك فحسب، بل أهلكنا معنا شعب فلسطين المجاهد لعقود طويلة سيتجرع فيها عذابات ومرارات فظيعة.وبعد كل هذا تأتي هيئة علماء فلسطين لتختزل أمانة حمل الرسالة، في تمجيد خيارات التنظيم، وتكميم أفواه المخلصين الناصحين الغيورين، مستخدمة مواد وآراء فقهية معزولة عن واقع فلسطين والقضية، متعامية عن أن أهم مطالب قيادة حركة حماس بعد مرور شهر على عملية 7 أكتوبر، سواء من الشهداء - رحمهم الله وجعلهم في عليين- أو من الذين بقوا أحياء -حفظهم الله وشل كل يد تمتد إليهم، وقطع كل لسان يشي بهم، وحفظهم لنا ولفلسطين وقضايا المسلمين- هو إيقاف المعركة بشكل نهائي ودائم، وبشرط أن تتعهد إسرائيل وتوافق أمريكا على إيقاف المعارك، مطالبة بضمانة تركية روسية صينية إيرانية!
فكيف يستقيم حال رابطة علمية تضم علماء راشدين، تطرح مشروعية الجهاد وتؤيد العملية العسكرية الشاملة والكبرى دون اعتبار حقائق وموازين الواقع، وتمجد قرار قيادات الحركة في حربها الشاملة، ثم بنفس الوقت تطالب القيادة بإيقاف المعركة لاعتبار فظاعة المآلات التي حلت بغزة وفلسطين، آخذة بعين الاعتبار واقع الحال، متجاهلة لطرحها الشرعي السابق حول الطوفان؟
أقول إذا كان خطاب الشيخ سلمان بن نصر الداية موجها لقيادات الحركة بإيقاف المعركة بعد أن عاين وحدد أخطاءها الشرعية وفق تصور فقهي سديد معتبر لواقع الحال وموازينه على أرضية فقهية شرعية، فإن خطابي موجه لرابطة علماء فلسطين أن تعيد صياغة نفسها من جديد وتتخلص من آفات الإنتماء الحزبي، والذي شكل منها رابطة لعلماء التنظيم في فلسطين!
وإذا كانت التوبة واجبة في حق القيادات السياسية الفلسطينية نتيجة اجتراحها الكبائر السياسية، فإن التوبة أوجب في أعناق علماء فلسطين، بل وكل علماء العرب والمسلمين الذين جاروا قيادة حماس السياسية والعسكرية منذ أن قررت بأغلبية كبيرة العودة إلى بشار الأسد في دمشق، مرتكزين على فتوى رابطة علماء التنظيم في غزة، وعلى أرضية حلف الحركة مع إيران وقناعتها بجدوى وحدة الساحات المرتبطة بإيران!
لاشك بأن موقف وطرح ورؤية الشيخ سلمان بن نصر الداية شرعية ومعتبرة، ومعبرة عن واقع الحال بشكل موضوعي متجرد دون عصبية لتنظيم، ودون تنكر لدماء المسلمين أو تقليل من الوجوب الشرعي لفريضة الجهاد بشكلها وأركانها وشروطها السليمة، والتي تبني الخير وتهدم الشر، وليس العكس.
أما بيان رابطة علماء فلسطين في غزة -والذي جاء في سياق الرد على الناقدين- فإنه قاصر عن الحق الراشد، ومنفصل عن الواقع والموازين والوقائع، وذلك نتيجة هدف الرابطة العميق بالمحافظة على التنظيم وقيادته وتمجيد رؤيته بعصبية جاهلية لا تقيم دينا ولا تصلح دنيا! ومن قال أن أحدا من الناصحين والناقدين لا يحرص على حركة إسلامية مقاومة ولا يغار عليها؟ ولكن الحق أحق أن يتبع، ودين الله ودماء المسلمين أغلى قيمة وأعلى من إطار ووسيلة قامت لأجل نصرة الحق وتحرير الأرض والأقصى.
ومن المفيد القول في هذا المقام، أن حالة الانزياح عن الصراط والتي حصلت مع بعض القيادات الفلسطينية من الناحية السياسية، لم تكن لتحصل لولا قصور وضعف دور العلماء، الذي يجب أن يكون دورا ربانيا رساليا يقوم بواجبه في وقته وزمانه وشكله المطلوب، وهي آفة الحركات الإسلامية السياسية التي استبعدت علماء الدين وقربت وكبرت وضخمت علماء التنظيم، ليوافقوا هواها وخياراتها ويخضعوا له -بوسائلهم وخطابهم الذكي- الدين!
فهل يمكن أن يتحقق نصر من عند الله، ويكون في ثنايا عمله غش للمسلمين واستخفاف بدمائهم، وتلاعب بالدين، وقفز عن مصالح وواقع المسلمين؟
ورغم قساوة المشهد فإن سنن الله غلابة، والله ناصر الحق وأهله، وهو سبحانه مدبر الأمر، ومكره بالظلمة والمستكبرين شديد، وذلك حين يجعل نحرهم في مكرهم.
اللهم فانصر عبادك الصالحين واهدم كيان وأركان الظالمين والمحتلين.
مضر أبوالهيجاء فلسطين-جنين 11/11/2024