التعود والألم: حكاية أرض بائسة
ذات يوم، في صفوف المدرسة، تحدث المعلم عن مفهوم التعود،
كيف أن جملتنا العصبية تستجيب فوراً حين نشم رائحة تُقَضِّ مضايقنا،
حيث تنتبه أعصابنا وتتفاعل ونشعر بإنزعاج قوي منها. لكن، بعد فترة من البقاء مع تلك الرائحة،
يبدأ الضيق في التلاشي، كأنما تكتسي حواسنا برداءٍ من الصمت.
أتعرف ماذا يعني هذا؟
يعني أن شعيرات حساسة في مجرى الشم قد ماتت،
فلم تعد تتفاعل وتتحسس، ولم تعد تُنبِّه الجملة العصبية التي تحمل في طياتها وجعنا.
وهذا يستثني الأمر ذاته في السمع،
عندما نمر بمكان مكتظ بالحدادين وصنّاع الأواني،
تثير تلك الضجة أعصابنا، لكن، إذا عاش البعض هناك،
سيعتادون كما يعتاد المقيمون،
مثلما اعتادوا على الألم الذي يطفو في الأرجاء
نحن لانتعود إلا إذا مات فينا شيء ..تصور حجم ما مات فينا حتى تعودنا على كل ما يجري حولنا في هذه الحرب اللعينة
نحن، أهل هذه الأرض البائسة،
تعودنا على ما هو أشد،
تعودنا على فقدان الأمل،
تعودنا على الموت الذي يترصّد كل لحظة.
فتشنا عن الطمأنينة،
نبحث لعناوينها في أركان الأرض،
علّها تمنحنا مفاتيح الراحة والأمان.
وكأننا نحاول أن نستعيد شعور السلام،
لكن الأيام القاسية أحرقتنا،
ومسحت كل أثرٍ للفرح،
فلم يبقَ منا إلا الرماد،
وذكريات تؤلمنا كطعنةٍ في القلب.
أحرقتنا، ونسيَت أن تدلنا على العلاج،
ما الدواء لهذا الحزن المتراكم،
لهذه الآلام التي تحرق أرواحنا؟
سافرنا عبر الأرض، نبحث عن السلام،
وعن أي أثرٍ للعدالة في حياتنا.
ولكن، في نهاية المطاف، عدتُ خاوياً،
مدهشاً من فظاعة الإنسان،
وأدركت، بوضوحٍ غريب،
أن لا عدالة إلا في السماء،
وأن أحلامنا قد تبعثرت بين الهموم،
بينما نحن، نُقاتل من أجل الوجود،
نُسجل لأجيالٍ قادمة أن الألم كان جزء كبير جداً من الحياة.
عهد النعيمي
دمشق ٢٠٢٤,١٢,٢