-
إذا رُزق العبد القبول، وتوافدت إليه القلوب بالمودّة؛ فليُراع هذه النّعمة بسؤال الله السّتر والعافية، وملازمة الدُّعاء لمن أحسنوا به الظنّ، فإنّ الافتقار في هذا الجانب سبيلٌ مؤدّي لتزكية النّفس وهضمها، وما من شيء يُهلك العبد كهلاكه بفتنة الإعجاب والثناء، ورؤية الحال والمَقام، ومعلومٌ أنّ الثناء الحَسن وتوافد القلوب بالمودّة لا سيما قلوب أهل الخير؛ من عاجل بُشرى المؤمن في الدنيا، لقوله تعالى: ﴿إنّ الذين آمنوا وعملوا الصّالحاتِ سيجعلُ لهمُ الرَّحمنُ وُدَّا﴾، والمُراد بالودّ هنا؛ ما جاء في تفسير أبي حيّان، عن قول الزمخشري: "بأن سيُحدث لهم في القلوب مودّة ويزرعها لهم فيها من غير تودُّدٍ ولا تعرُّض للأسباب التي يكتسب بها النّاس مودّات القلوب من قرابة أو صَداقة أو اصطناع"، وقال هرم بن حيّان: "ما أقبل عبدٌ بقلبهِ إلى الله عزّ وجل؛ إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه، حتى يرزقه مودّتهم ورحمتهم".
ومن شأن القبول الذي يُرزق به العبد؛ أنّه بهذا المقام قد تتعجّل فتنته، من حيث لا يشعر، وحتى يتوسّط في هذه المسألة؛ فلا بُد له من عناية خاصّة بأحواله الباطنة، وأن يتفكّر في عيوب نفسه التي لا يعلمها إلا الله، وأن يُراعِ هذه النّعمة بسؤال الله العافية في الدنيا والآخرة، وأن يدعو للمسلمين ولمن أحسنوا به الظنّ، فإنّ الدعاء ركيزة ثبات العبد في دينه ودنياه، وإنّ النّعم لتدوم بشُكرها، وشكر العبد لربّه يكون بالتزوّد من العمل الصالح، ومُراقبة السريرة، والاجتهاد في المسارعة إلى الخيرات، فمنهم بهذا مقلٌّ ومُستكثر.