وذلك دال على أن جميع معاني العلو ثابتة لله من كل وجه، فله علو الذات. وهو أنه مستو على عرشه، فوق جميع خلقه، مباين لهم، وهو مع هذا مطلع على أحوالهم، مشاهد لهم، مدبر لأمورهم الظاهرة والباطنة متكلم بأحكامه القدرية، وتدبيراته الكونية، وبأحكامه الشرعية.
وأما علو القدر فهو علو صفاته، وعظمتها فلا يماثله صفة مخلوق، بل لا يقدر الخلائق كلهم أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته، قال تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}.
وبذلك يعلم أنه ليس كمثله شيء في كل نعوته وله علو القهر فإنه الواحد القهار الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلّهم، فنواصيهم بيده، وما شاء كان لا يمانعه فيه ممانع، وما لم يشأ لم يكن فلو اجتمع الخلق على إيجاد ما لم يشأه الله لم يقدروا، ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه. وذلك لكمال اقتداره، ونفوذ مشيئته وشدة افتقار المخلوقات كلها إليه من كل وجه.
فهو الذي على العرش استوى وعلى الملك احتوى، وبجميع صفات العظمة والكبرياء، والجلال والجمال وغاية الكمال اتصف وإليه فيها المنتهى.