القصة3: "صمت النجوم المظلمة"
نبض خافت، كأن الكون يهمس لي وحدي بين الضوضاء. شيء لا يفارقني، الفوضى كانت واقعي، لكنني كنت أعيش في صمت آخر، صمت أشد من كل ما حولي. جدران البيت كانت مشبعة بصدى صراخ لا ينتهي، والدي كان شبحًا يهرب من الوجود، ووالدتي غارقة في بحر لا ساحل له. في داخلي، كنت أبحث عن شيء لا أعرف اسمه. لم أكن مجرد الابن الأكبر، كنت الحارس الصامت على فوضى لا تنتهي، في عالم يكاد يبتلعني.
حديث روحي أُنسي ، يهمس باسمي على الدوام، في داخلي صراع، بين صمت النجوم وفوضى الأرض، وبينهما سر ينتظر أن يُكشف.
"هذا أنا أيهم" ...
منذ طفولتي، كنت أهرب إلى السماء. كنت أراقب النجوم في الليالي الصافية وأجد في صمتها ملاذًا. كنت أشعر وكأنها تعرف شيئًا لا أعرفه، شيئًا عميقًا عن هذا الكون، عن الصبر، عن الحكمة التي تقبع خلف هذا الظلام الذي يغمر حياتي. لكنني لم أكن أعي ما يعنيه ذلك الشعور، أو لماذا كنت دائمًا أبحث عن الهدوء وسط الفوضى التي حولي.
في المدرسة، كنت محاطًا بأشخاص يشبهون عالمي الفوضوي. زملائي كانوا يضحكون ويصخبون، بينما كنت أشعر أنني غريب في هذا المكان. كانوا ينظرون إليّ على أنني مختلف، هادئ بشكل غير طبيعي، غير مبالٍ بما يهم الآخرين. حاولت مرات عدة أن أندمج معهم، لكنني كنت دائمًا أعود إلى نفسي، إلى صمتي، إلى تلك النجوم التي تشدني نحوها كل ليلة.
الشياطين لم تكن بعيدة. كانت تحوم حولي مثل ظلال مظلمة، تحاول جذبي نحو الضياع، نحو الفوضى. كل يوم كنت أشعر بأنني أفقد جزءً من نفسي، وكأنني أغرق في عالم من الضجيج الذي لا ينتهي. كانوا يحاولون بث الشك في داخلي، بأن الصبر الذي أحمله ليس سوى ضعف، وأن الحكمة التي أحاول فهمها ليست إلا وهمًا. كانوا يهمسون في أذني بأنني لست قويًا بما يكفي، بأنني لن أكون شيئًا مميزًا أبدًا.
ورغم كل تلك المحاولات لإغراقي في الظلام، كان هناك شيء في داخلي يرفض الاستسلام. كنت أشعر أنني أملك قوة لم أكتشفها بعد، لكنني لم أكن أعرف ماهيتها. كلما حاولت أن أفهم، كانت الحياة تسحبني مجددًا نحو الفوضى. لكنني كنت أصبر. كنت أنتظر لحظة الكشف، لحظة يتجلى فيها شيء أكبر من كل ما حولي.
وجاءت تلك اللحظة في ليلة هادئة. كنت جالسًا في أعلى الجبل، حيث تعودت أن أهرب من الضجيج المحيط بي، أراقب النجوم في السماء. فجأة، شعرت بشيء يتغير من حولي. كانت السماء أكثر هدوءًا من المعتاد، وكان قلبي ينبض بشكل مختلف. ثم، بدون سابق إنذار، ظهرت لي رؤيا. لم تكن نجوم السماء مجرد نقاط بعيدة، بل أصبحت حية، تتحدث إليّ بلغة لم أسمعها من قبل.
في تلك الرؤيا، رأيت شخصًا يقف خلف السحاب، نوره كان يضيء كل شيء حوله. قال لي بصوت مليء بالوقار: "إيهم، كل ما مررت به لم يكن عبثًا. الصبر الذي تحملته، والفوضى التي حاولت النجاة منها، كانت جزءً من امتحانك. أنت مختار لأن لديك ما يحتاجه هذا العالم. حكمتك هي النور الذي سيهدي الآخرين، وصبرك هو القوة التي ستدفعك للأمام. لقد حاولوا أن يخفوا حقيقتك، لكنك انتصرت عليهم."
شعرت في تلك اللحظة وكأن شيئًا ثقيلاً قد زال عني. أدركت أنني لم أكن ضعيفًا أو عاجزًا كما ظننت. كنت صبورًا، وكانت الحكمة التي أحملها هي السلاح الذي منحني إياه الله لمواجهة هذا الظلام. لم أكن مجرد شخص يعيش في ظل الفوضى، بل كنت النجم الذي سيضيء الطريق للآخرين، تمامًا كما كانت تلك النجوم تضيء لي طريقي في كل ليلة.
مع مرور الوقت، بدأت أرى الأمور بشكل مختلف. لم تعد الحياة حولي مجرد فوضى، بل أصبحت أرى النظام في الفوضى، وأدركت أن الصبر ليس انتظارًا، بل هو القوة التي تمنحك القدرة على رؤية الحقيقة خلف الظلال. كنت أرى أنني لست وحدي في هذه الرحلة، بل كنت جزءًا من خطة أكبر، حيث كل خطوة أخطوها تقودني نحو مصير لا يمكن الهروب منه.
ثم جاء اليوم الذي التقيت فيه برفيقة دربي. لم يكن لقاءً عاديًا، بل شعرت وكأن القدر قد جمعنا بترتيب محكم. كانت هي الأخرى تحمل ألمها الخاص، وصراعها مع الفوضى. لكنها كانت تبحث عن نفس الهدوء، عن نفس الإجابات التي كنت أبحث عنها. معًا، بدأنا نفهم أن رحلتنا لم تكن مجرد مصادفة، بل كانت جزءًا من قصة أكبر تُكتب لنا، برعاية خفية من الإمام المهدي (عجل الله فرجه). كنا نعلم أن هناك ما ينتظرنا، وأن التحديات التي واجهناها لم تكن سوى إعدادًا لأمرٍ أعظم.
الآن، وأنا أنظر إلى السماء كل ليلة، أدرك أنني لم أكن يومًا ضائعًا. كنت دائمًا أسير في طريق مرسوم لي، حتى وإن لم أكن أراه بوضوح. الحكمة التي اكتشفتها كانت دائمًا في داخلي، والصبر الذي تحملته كان هو ما يقودني نحو النور. أدركت أنني لست وحدي في هذا العالم، بل أنا جزء من خطة إلهية أكبر، حيث يحمل كل واحد منا دوره الخاص، دوره في مواجهة الظلام وإيصال النور.
*📱حساب التيلكرام👇🏻 *
https://t.center/m_313_50
*📱حساب اليوتيوب👇🏻 *
https://youtube.com/@m.313.50?si=CxeY0sRtcm_yu2rI