لا بارك الله في أمّة انتظرت موتهم لتكتب عنه أشعارًا ونصوصًا حزينة ثمّ أكملت يومها بشكلٍ طبيعي وكأنّ حادثةً لم تحدث، وكأنّ دماءهم أصبحت ماءًا أو مادة إعلامية تجلب التفاعل لا أكثر!
هذا هو الفتى الذي ظهر يحـترق حيًّا وشاهدته كلّ عيون العالم ثمّ أكملت يومها بطريقة اعتيادية، ارتقى مع والدته آلاء الدلو التي كانت تفتخر دومًا بأنّ ابنها شعبان حفظ القرآن بأكلمه وهو الخلوق الذي تتفاخر به بين الناس .
غزتي الحبيبة كفاكِ الله، كفاكِ عزائم وبأس فّرسانك الأسود، اللهُمّ أعزّنا وأيّدنا بنصرك الذي وعدت، اللهُمّ إنّا مغلوبون فانتصر، اللهُمّ هوّن ما لا يعلمه غيرك، فالحديث والكلام ما عاد يجدي نفعًا، كلّ حروف الأبجدية عاجزة عن وصف ما نعيش ونرى .
في ظل الغياب الإعلامي عن أحداث غزة، والملل من متابعة أخبار غزة بعد اعتياد المشهد، وبعد عام طويل من الحرب وكأنه ألف سنة، رأينا فيها ما رأينا من الأهوال العِظام التي تذكرنا بيوم القيامة وكأننا نراه رأي العين، وفي ظل منع دخول شاحنات البضائع والمساعدات على شمال غزة، وممارسة سياسية التجويع عليهم، إلى جانب شدة غلاء الأسعار، مع صعوبة الوضع الاقتصادي الذي يعيشه الناس، شمال غزة الآن يتعرض لقصف جنوني هستيري شديد بالطائرات والدبابات والمدفعيات على حد سواء، وكأننا في أول أيام الحرب؛ فلا تنسونا من دعواتكم، ولا تألفوا المشهد، أرجوكم!
اللهُمّ هوِّن علينا ما نلقاه في سبيلك، اللهُمّ إنا نشهدك أننا صابرون محتسبون.
{ربَّنا أفرِغ علينا صبرًا وثبِّت أقدامَنا وانصرنا على القومِ الكافرين}.
١. مضى عامٌ، فشكرًا غزّة لأنّك علَّمتينا أن مجلس الأمن عصابة، وأن القانون الدولي مجرَّد حبر على ورق، وأن شِرعة حقوق الإنسان نكتة!
٢. مضى عامٌ، فشكرًا غزّة لأنك علَّمتينا أن هذا العالم أعور، يديرُ عينه المبصرة حيث شاء، ويدير العوراء حيث شاء، فأطفال غزَّة ليسوا كأطفال أوكرانيا! أولئك رومٌ مثلهم، أما نحن عرب!
٣. مضى عامٌ، فشكرًا غزّة لأنك علَّمتينا أنَّ الحقَّ يُنتزع انتزاعًا ولا يُستجدى، لن يأتي أحدٌ إليكَ ليقول أنتَ طيَّب وسأعطيكَ ما تريدُ! إذا كنتَ تريدُ شيئًا مُدَّ يدكَ وخذه رغمًا عن العالم!
٤. مضى عامٌ، فشكرًا غزّة لأنك علَّمتينا أن تحرير فلسطين من بحرها إلى نهرها ممكن، وأنَّ ما حدت هذه المرَّة ما هو إلا "بروفة" مصغَّرة لما سيأتي!
٥. مضى عامٌ، فشكرًا غزّة لأنك علَّمتينا أنّ من يريدُ يستطيع، وأن المسألة لم تتعلّق يوماً بالإمكانيات وإنما بالإرادة، من كان يتخيَّل، مجرَّد تخيلٍ أن غزَّة المحاصرة بإمكانها أن تصنع سلاحها وتُحارب به وتُدهش أحبابها قبل أعدائها!
٦. مضى عامٌ، فشكرًا غزّة لأنك علَّمتينا أنْ نحترم النِّعم، هناك حيث تغدو شربة الماء النَّظيف حُلُمًا، والرَّغيف الطازج إنجازًا، والاستحمام رفاهية تُشبه التمدد على شواطئ المالديف، والبيت الصّغير جدًّا أثمن من قصور الدُّنيا ما دام لم يسقط على رؤوس ساكنيه!
٧. مضى عامٌ، فشكرًا غزّة لأنك علَّمتينا أنَّ أشباه الصَّحابة يعيشون بيننا، أحفاد خالد بن الوليد يقتحمون صفوف الأعداء بشراسة، وأحفاد سعد بن أبي وقاص يرمون بدقّة، وأحفاد عكرمة ما زالوا يتبايعون على الموت، وأحفاد القعقاع صوتهم في الجيش يخلع القلب من مكانه، سمعناهم يقولون: باسم الله الغالب!
٨. مضى عامٌ، فشكرًا غزّة لأنك علَّمتينا أن الخنساء لم تمُتْ، وأن عشرات آلاف النُّسخ منها ما زلنَ يعِشْنَ بيننا، يُقدِّمنَ أولادهُنَّ في سبيل الله صابراتٍ محتسباتٍ ولسان حالهنَّ: اللهُمَّ خذ من دماء أولادنا حتى ترضى!
٩. مضى عامٌ، فشكرًا غزّة لأنك علَّمتينا أنَّ الأطفال إذا ربَّتهم المصاعب كبروا قبل أوانهم، وبلغُوا مبلغ الرَّجال قبل أقرانهم، وكأنّهم صبيُّ الأخدود الذي أحيا دمه قومًا مؤمنين أُحرقوا جميعًا أحياء ولم يرتدُّوا، هذا الدَّين تُحييه الدَّماء وتُطفئه الدموع، فامسحوا دموعكم، وربُّوا شُهداء الغد!
١٠. مضى عامٌ، فشكرًا غزّة لأنك علَّمتينا أنَّ العقيدة سلوكٌ لا سُطور، لم نرَ أحداً فيكِ ساخطاً على قضاء اللهِ، يجمعون أشلاء أحبائهم ويحمدون ربَّهم، يمسحون دموعهم بيد ويُتابعون الجَمع بيد أُخرى، عقيدتهم امتلأت بها قلوبهم ففاضتْ على جوارحهم!