قليلاً ما أنسى، كيف زللتُ خَطواتي.. كيف كبوتُ في طريقي إلى حيّك.. كيف بدا ظلّي سِرياليّاً بأنفةٍ لا مثيلَ لها، قد بدا إلهيّاً، -ظلّي- تحت إنارةِ شارعك، كيف تمنّيت أن أضمّ ظلّي وألتفّ عائدة.. ولكن هاك أنا، تسلّقت بعينيّ شرفتَك، تدحرجَ بؤبؤيّ سقوطاً مراتٍ عدّة، تمسّكا بالحافّة بأظافرَ من عويلٍ ما، ثاقب. بعينيّ المبتلّتين -دماً ودموعاً- مزّقتُ ستارةَ نافذتك، لففتُ القماشَ الرماديّ حول خصري، ورقَصت كثيراً، رنّمت وتغنّيت، وحطّمت التلفاز الصغير أثناء لَهوي.. تقيّأت كل ضحكاتي واستهلكتُها، وحال لونُ شعري الأزرق إلى أوّله، بنّيّ محروق. شعرتُ برائحة الغابة قادمةً من الصّبارة الّتي كبّرناها سويّاً، لا بد وأن صدري قد انشرحَ حرفياً.. انطلقَت العثث والفراشاتُ هاربةً من المكانِ الذي اعتدتَ العيشَ فيه، وبدلاً، تجذّرت بي شجرةُ صفصاف، وبعضُ الخشخاش يعانقُ جذعها الغضّ.. عند ذلك الفجر، لم يهمّني الأمر بذلك القدر، لم أهتمّ إن لم أكن لحنَ مقطوعتكَ الموسيقيّة، أو بطلةَ روايتك، أو عنوانَ سبقك الصحفيّ الجديد. كثيراً ما أذكرُ، حينها، كنتُ جنّيةً مكلّلةً بالبَهاء، ذئبةً تعوي في الخواء، أو غزالةً -أخيراً- خلعَت عن قلبها قضيّة انتماء.