" لست معكّر المزاج أو يائسًا ، لكن لا شيء في وقته أو مكانه ، أشعر أني بحاجة ماسّة لرحلة إلى مكان مجهول ، وإلى الصمت، وإلى البقاء في الظلال المعتمة. وكتب أيضاً: كنا نهرول نحو الأيام الآتية، كنا نريدها أن تسرع، أن تنطوي، إذ كان هدفنا أن نكبر بسرعة، أما الآن، نريد أن نهدئ السرعة، أن نتأمل، أن نقارن، لكن الأيام لا تترك لنا مجالا، وهكذا يسيطر علينا الشعور بالأسى والشجن.كنا نركض من أجل ماذا؟والآن نحاول أن نبطئ من أجل ماذا أيضا؟،" - عبد الرحمن منيف
دعكَ مِن أننا صِرنا غرباء، لقد مر وقت طويل بعد محادثتنا الأخيرة، أسبوع ، إثنان ، ثلاثة ، رُّبما عام أو عامان !، صدقيني لا اذكُر بالضبط، أردتُ سؤالكِ لعلك تقرأين، هل يحتاج الإنسان جهداً كي ينسى؟ أم إنه يحتاج جهداً كي لا يتذكر بأنه يحاول أن ينسى ؟!، لقد تأكدتُ من كذب بأن الأيام ناسفةٌ للذكريات، كما أنني أصبحتُ أمقتُ الأوغاد من أصحاب العبارات المخبولة أمثال (الدنيا ما بتوقف على حدا)، دعكِ من كل هذا الكلام الفارغ ولا تُصدقية، أردتُ اخباركِ فقط بأنكِ مُنذ أن رحلتِ ، ما رحلتِ.
لا تذهبْ إلى الماضي حافي القدمين! احترسْ كثيراً ...ليس في الأمرِ نُزهة...بعضُ الذكريات من الصخور المُسَنَّنة، وبعضها من السكاكين والمسامير ..والشظايا المختلِطة بالزجاج المُحطَّم،..والكثير جداً منها من الأفخاخ والألغام التي لم تنفجرْ بعد...لا تذهب إلى الماضي حافي القدمين!...بل أنصحكَ من كل قلبي أنْ لا تذهبْ أبداً إلى الماضي! ...فبعض من ذهبوا إليه قبلك عادوا بأقدامٍ غير صالحةٍ للسير بالمرَّة، وبعضهم عادوا بدون أقدامهم أصلاً،..والكثير جداً منهم عادتْ ظلالُهُم وحدَها بدونِهم..وأمضتْ ما تبقّى من أعمارهمِ التي لم يُكْمِلُوها...وحيدةً ومُلْقَاةً، هكذا، بدون حراك ..أمام أبواب منازل أحبَّائهم.