قبل فترة، زرت طبيبةً بدافعٍ من ضرورةٍ صحية. عندما جلست أمامها، نظرت إليَّ وسألتني سؤالًا بسيطًا في ظاهره، لكنه كان يحمل الكثير في معناه: كم عمرك؟ توقفت للحظة، وبين نفسي كنت أعلم أن مظهري، كما داخلي، يوحيان بشيء مختلف. كان شكلي يوحي بسن أكبر مما سأقوله، بينما في داخلي كان شعوري يوحي بشيء آخر. لم أرد الدخول في ضجيج التفسيرات أو الردود المطوّلة، فقلت بثقة: 22 عامًا. ظننت أن الإجابة ستغلق هذا الباب، لكنها عادت تسألني: كم عمرك؟ وهل أنت متأكد؟
أجبتها مرة أخرى بنفس الثبات، وكررت: عمري 22 سنة. لكن في الحقيقة، كان عمري 21 عامًا و6 أشهر و18 يومًا. شعرت أن هذا التناقض بين ما قلته وما كنت أعرفه داخلًا كان يحمل رسالة أعمق.
بعد انتهاء الموعد، قالت لي: سألتك لأن كثيرًا من الأشخاص يأتون هنا، ولا يعرفون أعمارهم الحقيقية أو يبالغون في تقديرها أو تقليلها. مظهرك دفعني للسؤال. كان هذا تبريرًا منها لتكرار سؤالها، ولكني شعرت أن الموضوع أعمق من مجرد تبرير.
ابتسمتُ وقلت لها: أنا أفهم مقصد سؤالك تمامًا. ثم غادرت، وفي الطريق بدأت أفكر. هل العمر فعلاً مجرد رقم نُدركه ونتعامل معه؟ أم أن هناك أشياء أكبر تحدد قيمة الإنسان وعمقه؟
الحقيقة أن العمر ليس محصورًا في رقمٍ نضعه في وثائقنا، ولا في ملامحنا التي قد تبدو أحيانًا أثقل من الزمن نفسه. العمر الحقيقي يُقاس بما نحمله في أرواحنا. هناك من يحمل عشرات السنين ولكنه يعيش برؤية طفل، وهناك من لم يتجاوز العشرين ولكنه يرى العالم بحكمة شيوخ. فهل العمر انعكاسٌ للزمن، أم هو مرآة لتجاربنا وصراعاتنا؟
الحياة ليست سباقًا مع السنوات، وليست مقارنةً بين الأرقام. إنها رحلة لاكتشاف الذات، واختيار الطريق الذي يُشبهنا. هناك من يعيش عشرين عامًا لكنه يُحقق فيها ما لا يحققه الآخرون في ثمانين عامًا، وهناك من يمضي حياته بأكملها دون أن يفهم ماذا يريد، أو لماذا يعيش.
ومن هنا، أدركتُ أن الإنسان يُقاس بنضجه العقلي، بمرونته في مواجهة الحياة، بقدرته على تجاوز الألم وإعادة البناء، وبما يتركه خلفه من أثر. الشكل والسنوات قد تكون مرآة للزمن، لكنها ليست أبدًا مرآة لروح الإنسان.
وإذا كانت ملامحنا تبدو أكبر أو أصغر من حقيقتنا، فربما لأنها تحمل قصصًا لا تُقال. كل تجعيدة، كل لمعة في العين، كل صمت طويل، هو انعكاس لشيء عشناه أو واجهناه. والمهم هو أن نتعلم كيف نحيا بعمق، كيف نستثمر أعمارنا، وكيف ندرك أن الحياة ليست في طول الزمن، بل في كثافته ومعناه.
وهنا تكمن الرسالة: لا تحكم على نفسك أو على الآخرين من مظهرٍ أو رقم. اسأل نفسك دائمًا: كيف أعيش حياتي؟ ما الذي أتركه وراء ظهري؟ وكيف أكون نسخة أفضل من نفسي؟ لأن في النهاية، نحن لسنا أعمارًا تُحسب، بل قصصًا تُحكى، وتجارب تُروى، وآثارًا تُخلّد.
ارتباط العراقيين بالإمام عليّ يتخطى كونه مجرد ارتباط ديني ليصبح علاقة عاطفية وانتماء روحي يعبر حدود العقيدة إلى عمق القلوب والضمائر. يرونه رمزًا للعدل المطلق، وحكيمًا يتجلى فيه الملكوت الأخلاقي، وكبير القوم الذي يجمع شتات النفوس تحت مظلة التسامح والمحبة. وحتى غير الملتزمين دينيًا يجدون أنفسهم منجذبين إليه بحب فطري واحترام عميق، فهو شخصية عظيمة تستحق الإجلال. علمه بحرٌ لا يُدرك غوره، وحكمته نبراسٌ يُضيء دروب الإنسانية، وأحاديثه دستور خالد ينهل منه الجميع سبل العدل والإنصاف.
سنة 2024 كانت بالنسبة إليَّ أحلى سنة بحياتي، مليانة إنجازات وتطورات. عشت بيها لحظات جميلة، وتعلمت من تحدياتها، وحسّيت بيها أني أقرب لأهدافي وأحلامي. الحمد لله على كل شيء صار بيها، وخصوصًا لأن بيها حققت حلمي اللي تعبت عليه طويلًا. وإن شاء الله السنوات الجاية تكون أروع.
يجوع الإنسان لحوارٍ جيّد، فالنقاش مع شخص واعٍ وعذب اللسان يمنحك شعورًا بالراحة والثراء الفكري. حتى وإن خالفك الرأي، فإنه يفتح لك آفاقًا جديدة، ويُسمو بالعقل، ويُغريك بمزيد من التفكير الواعي والمثمر.