"ما معنى أن تكون؟ هل البقاء في الأذهان أهم من الحياة نفسها؟"
فيلم Birdman للمخرج أليخاندرو غونزاليس إيناريتو هو رحلة وجودية متشابكة، تقف على حافة الجنون والعبقرية.
الفيلم يروي قصة ريغان طومسون، النجم السينمائي السابق الذي طغت عليه شهرة دوره كبطل خارق، ويحاول استعادة مجده من خلال مسرحية يسعى من خلالها لإثبات أهميته الفنية، وربما وجوده ذاته.
ريغان يعيش صراعًا داخليًا مع ظله القديم، حيث يطارده طيف "بيردمان"، تلك الشخصية التي جلبت له الشهرة يومًا لكنها تحولت الآن إلى عبء ثقيل.
هذا الطيف يمثل الماضي الذي يرفض أن يتلاشى، والصراع بين ريغان وشخصيته القديمة يعكس أزمة الهوية التي تعيشها الشخصية، في محاولة لإعادة تعريف نفسها بعيدًا عن أضواء الشهرة الزائفة.
اختيار إيناريتو لتقديم الفيلم وكأنه لقطة واحدة متواصلة يعكس حالة الفوضى الداخلية لريغان. الكاميرا تتحرك بلا توقف، متتبعة الشخصيات في أروقة المسرح وخلف الكواليس، حيث تتداخل الحياة بالمسرحية، والخيال بالواقع، مما يجعل المشاهد غارقًا في عالم ريغان المتشابك.
الفيلم يقدم نقدًا لاذعًا لثقافة الاستهلاك والهوس بالشهرة. ريغان، الذي يسعى لإثبات نفسه كممثل جاد، يجد نفسه محاصرًا بين نظرة المجتمع له كمجرد بطل خارق سابق وبين رغبته العميقة في إثبات قيمته الحقيقية. وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا محوريًا في تعزيز هذا الضغط، حيث تصبح كل لحظة انهيار أو نجاح مجرد مادة للاستهلاك السريع والإعجابات.
الطيران، الذي يظهر في عدة مشاهد بالفيلم، هو رمز للتحرر من القيود التي تفرضها النفس والمجتمع. في اللحظات الأخيرة، عندما يختفي ريغان من الإطار، يترك الفيلم تأثيرًا عميقًا من خلال غموضه، إذ يتحول الأمر إلى استعارة عن الخلاص أو الاستسلام.
الحوارات داخل المسرحية التي يعمل عليها ريغان ليست مجرد نصوص عابرة، بل تعكس صراعاته الشخصية ومعاناته الداخلية. المواجهات مع ابنته سام تبرز رغبته في التصالح مع حاضره، بينما تكشف التفاعلات مع بقية الشخصيات عن جوانب متعددة من هشاشته وقوته.
فيلم Birdman عمل سينمائي متكامل، يعبر عن حالة الإنسان المعاصر الذي يجد نفسه عالقًا بين طموحه وواقعه، بين ماضيه الذي يلاحقه ومستقبله الذي يخشاه. من خلال الأداء المذهل، السرد البصري المبتكر، والرمزية العميقة، يترك الفيلم بصمة لا تُنسى كواحد من أبرز الأعمال التي تستكشف النفس البشرية والفن.
Birdman (2014)