و لو تتبعت لوجدت أن القرآن يُشير إلى الأصول و الكليات ـ في الغالب ـ و أما التفاصيل فيتركها لشخص رسول الله محمد المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) إذ هو الكفيل ببيانها و تطبيقها ، كما صرَّح بذلك القرآن الكريم في أكثر من آية .
قال الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾ 1 .
النقطة الثانية : ثم أنه أي فرقٍ بين بيان القرآن الكريم و بيان الرسول ( صلى الله عليه و آله ) ، و قد قال الله عَزَّ و جَلَّ فيه : ﴿ ... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ 2 .
و قال عَزَّ مِنْ قائل : ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ 3 ـ إلى غيرها من الآيات الكريمة الأخرى ـ . فما ثبت صدوره من الرسول ( صلى الله عليه و آله ) هو ككلام الله عَزَّ و جَلَّ في الحجية و لزوم الأخذ به .
النقطة الثالثة : و بناءً على ما تقدم فالتبرير بعدم وجود آية في القرآن الكريم تنادي بإسم الإمام علي ( عليه السَّلام ) صراحة بعد وجود الآيات القرآنية العديدة المدعومة بالأحاديث الصحيحة الصريحة المُثبتة لولايته و إمامته ـ التي سنذكر نماذج منها ـ تبرير غير علمي و غير صحيح .
النقطة الرابعة : مضافاً إلى أنه ليس لنا أن نطالب الله عَزَّ و جَلَّ بالآيات حسب تقديرنا ، و كأننا نحن الذين نحدد ضرورتها أو عدم ضرورتها ، فالله سبحانه و تعالى هو العالم الحكيم اللطيف الخبير الذي يُنزل الآيات في ما يريد و يشاء حسب المصالح الكبرى و الحكمة البالغة .
النقطة الخامسة : إنني أتساءل و أقول لمن يُطالب بآية صريحة تُعلن إمامة أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) : بالله عليك هل أنك وجدت في القرآن الكريم نصاً صريحاً ـ أو حتى نصاً غير صريح ـ يذكر أسماء الخلفاء الثلاثة الذين خلفوا رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) قبل الإمام علي ( عليه السَّلام ) فواليتهم و قبِلت بخلافتهم حتى جئت تطالب بآية صريحة تذكر إسم علي ( عليه السَّلام ) ؟!
النقطة السادسة : كل هذا و النصوص متواترة متضافرة على إمامة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) و ولاية ، و أفضليته من جميع الجهات ، و خلافته الحصرية للرسول المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) ، و هي أكثر من أن تُعدَّ أو أن تُحصى ، و فيما يلي نذكر نماذج منها :
الآيات الدالة على إمامة علي ( عليه السَّلام ) و خلافته بعد النبي ( صلى الله عليه و آله ) دون غيره أبداً
1 ـ آية الولاية
و هي قول الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ 4 5 .
قصة نزول آية الولاية
يؤكد المفسرون في عشرات الكتب على نزول هذه الآية في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) بعد تصدّقه بخاتمه الذي كان يتختَّم به في خِنْصَره 6 الأيمن و هو راكع في صلاته .
ثم إن المصادر الإسلامية التي ذكرت أن الآية قد نزلت في الإمام علي ( عليه السَّلام ) هي أكثر من أربعين كتابا ، أما العلماء و المفسرون الذين ذكروا الآية فهم أكثر من أن يتسع المجال لذكرهم ، إلا إننا نشير إلى نماذج منهم كالتالي :
النموذج الأول ـ الزمخشري : جار الله محمود بن عمر المتوفى سنة : 528 هجرية ، قال في تفسير هذه الآية : و إنها نزلت في علي ( كرّم الله وجهه ) حين سأله سائل و هو راكع في صلاته ، فطرح له خاتمه كأنه كان مَرِجا 7 في خنصره فلم يتكلّف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته .
قال الزمخشري : فان قلت : كيف يصح أن يكون لعلي ( رضي الله عنه ) و اللفظ لفظ جماعة ؟ قلت : جيء به على لفظ الجمع و إن كان السبب به رجلاً واحداً ، ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه ، و لينبّه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البر و الإحسان و تفقّد الفقراء ، حتى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير و هم في الصلاة لم يؤخروه إلى الفراغ منها 8 .
النموذج الثاني ـ الرازي : فخر الدين الرازي المتوفى سنة : 604 هجرية ، قال : روي عن أبي ذر ( رضي الله عنه ) قال : صليت مع رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) يوما صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء و قال : اللهم اشهد أني سألت في مسجد الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) فما أعطاني أحد شيئا ، و علي ( عليه السَّلام ) كان راكعا ، فأومأ إليه بخِنْصَره اليمنى و كان فيها خاتم ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) فقال ـ أي النبي ـ :