فهذه المقدمة الموسومة باللمعة الجليّة في معرفة النيّة، وهي مع اشتمالها على فروع غريبة، ونكات عجيبة، حلوة المطعم، لذيذة المغنم وعملتها راجياً بوضعها الثواب متوكلا على رب الارباب.
"أقول: إنها شريكة أخيها الحسين - عليه السلام - في الذب عن الإسلام والجهاد في سبيل الله، والدفاع عن شريعة جدها سيد المرسلين، فتراها في الفصاحة كأنها تفرغ عن لسان أبيها، وتراها في الثبات تنبئ عن ثبات أبيها، لا تخضع عند الجبابرة، ولا تخشى غير الله سبحانه تقول حقا وصدقا، لا تحركها العواصف، ولا تزيلها القواصف، فحقا هي أخت الحسين عليه السلام، وشريكته في سبيل عقيدته وجهاده"
السيد الخوئي (ره). معجم رجال الحديث رقم الترجمة (١٥٦٥٩)
وللمولى الشيخ أحمد بن الحسين الكوفي الهَمْداني (ت ٧٥٣) من أعلام مفسري الشيعة الإمامية و من أحفاد خضير الهمداني قتيل كربلاء من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام له كتاب ظريف في علم التجويد. وضعه على اثني عشر بابا بحث فيها عن مختلف شؤون فنّ التجويد في القراءات. وتوجد نسخة من هذا الكتاب (مؤرخة ٧٥٣) في مكتبة مجلس النوّاب بطهران.
وذكر العلامة الحلي (ره) في منتهى المطلب: وأحبّ القراءات إلي ما قرأه عاصم من طريق أبي بكر بن عيّاش، وقراءة أبي عمرو بن العلاء، فأنهما أولى من قرائة حمزة والكسائيّ.
سليمان بن مهران الأعمش: الإمام المعلّم أبو محمد الأسدي الكوفي. أصله من أعمال الري. قرأ على ابن وثّاب و زرّبن حبيش، وعرض على أبي العالية ومجاهد وابن بهدلة. وكان أقرأ الناس في زمانه. قرأ عليه حمزة بن حبيب الزيّات وغيره. قال ابن عيينة: كان الأعمش أقرأهم لكتاب اللّه وأحفظهم للحديث وأعلمهم بالفرائض. قال ابن القطّان: كان الأعمش علّامة الإسلام. كان الأعمش يقرئ الناس، رأسا فيه، وكان فصيحا، وكان لايلحن ولاحرفا واحدا. وكان شعبة يفضّل الأعمش على عاصم في القراءة. قال ابن يونس: لم نر مثل الأعمش، ولم نر الأغنياء والملوك أحقر عند أحد منهم عند الأعمش مع فقره وحاجته، فقد كان من النسّاك، ومات يوم مات ولم يخلف أحدا أعبد منه. وكان صلبا في إيمانه وثباته على المذهب الحقّ. مواليا حرّا للإمام أميرالمؤمنين عليه السلام
قال شريك القاضي: حضرت الأعمش في علّته التي قبض فيها، إذ دخل عليه ابن شبرمة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة، يعودونه. فسألوه عن حاله فذكر ضعفا شديدا وذكر ما يتخوّف من خطيئاته وأدركته رقّة فبكى. فأقبل أبوحنيفة، فقال: يا أبا محمد اتق اللّه وانظر لنفسك، فإنّك في آخر يوم من الدنيا وأوّل يوم من الآخرة، وقد كنت تحدّثت في عليّ بن أبي طالب بأحاديث لو رجعت عنها كان خيرا لك! قال الأعمش: مثل ماذا؟ يا نعمان! قال: حديث عباية «أنا قسيم النار». قال الأعمش: أوَ لمثلي تقول يا لكّع؟ أقعدوني أسندوني. فقال: حدّثني- والذي مصيري إليه- موسى بن طريف، ولم أر أسديّا خيرا منه، قال: سمعت عباية بن ربعي امام الحيّ، قال سمعت أميرالمؤمنين عليه السلام يقول: أنا قسيم النار، أقول: هذا وليّي دعيه، وهذا عدوّي خذيه. وحدّثني أبوالمتوكّل الناجي عن أبي سعيد الخدري، قال: قال النبيّ صلى الله عليه و آله: إذا كان يوم القيامة أقعد أنا وعليّ على الصراط، ويقال لنا: أدخِلا الجنّة من آمن بي وأحبّكما وأدخلا النار من كفر بي وأبغضكما. قال أبوسعيد: قال النبيّ صلى الله عليه و آله: ما آمن باللّه من لم يؤمن بي، ولم يؤمن بي من لم يتولّ عليّا، وتلا: «أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ». فجعل أبوحنيفة إزاره على رأسه، وقال: قوموا بنا، لايجيئنا أبو محمد بأطمّ من هذا.
فما أمسى الأعمش حتى مات رحمه الله وأفاض عليه شآبيب رحمته الواسعة. وكانت وفاته سنة ١٤٨ه.
وقال الحجة البلاغي: «ومن أجل تواتر القرآن الكريم بين عامّة المسلمين جيلًا بعد جيل، استمرّت مادّته وصورته وقراءته المتداولة، على نحو واحد، فلم يؤثّر شيئا على مادّته وصورته مايروى عن بعض الناس من الخلاف في قراءته من القرّاء السبعة المعروفين وغيرهم. فلم تسيطر على صورته قراءة أحدهم اتباعا له ولو في بعض النسخ، ولم يسيطر عليه أيضا ما روي من كثرة القراءات المخالفة له ممّا انتشرت روايته في الكتب كجامع البخاري و مستدرك الحاكم ... وإنّ القراءات السبع فضلا عن العشر إنّما هي في صورة بعض الكلمات لابزيادة كلمة أو نقصها، ومع ذلك ماهي إلّا روايات آحاد عن آحاد لاتوجب اطمئنانا ولا وثوقا، فضلا عن وهنها بالتعارض ومخالفتها للرسم المتداول المتواتر بين عامّة المسلمين في السنين المتطاولة ... إذن فلا يحسن أن يعدل في القراءة عمّا هو المتداول في الرسم، والمعمول عليه بين عامّة المسلمين في أجيالهم، إلى خصوصيّات هذه القراءات. مضافا إلى أنّا- معاشر الشيعة الإماميّة- قد أُمرنا بأن نقرأ كما يقرأ الناس، أي نوع المسلمين وعامّتهم».
وكلام شيخنا الإمام البلاغي هو الحكم الفصل في هذا المضمار، وسوف نبني عليه اختيارنا في هذا المجال.
قال سيّدنا الأُستاذ الإمام الخوئي قدس سره: «إنّ تواتر القرآن لايستلزم تواتر القراءات، لأنّ الاختلاف في كيفيّة تعبير الكلمة لاينافي الاتفاق على أصلها، كما أنّ الاختلاف في خصوصيّات حدث تأريخي- كالهجرة مثلًا- لاينافي تواتر نفس الحدث، على أنّ الواصل إلينا بتوسط القرّاء إنّما هو خصوصيّات قراءاتهم، وأمّا أصل القرآن فهو واصل إلينا بالتواتر بين المسلمين، وبنقل الخلف عن السلف، وتحفّظهم عليه فيالصدور وفي الكتابات، ولادخل للقرّاء- بخصوصهم- في ذلك أصلا. ولذلك فإنّ القرآن ثابت التواتر حتى لوفرضنا أنّ هؤلاء القرّاء السبعة أو العشرة لم يكونوا في عالم الوجود أصلا. وعظمة القرآن ورفعة مقامه أعلى من أن تتوقف على نقل أُولئك النفر المحصورين».
وفي كلام سيّدنا الأُستاذ- أخيرا- الحجّة القاطعة على أُولئك الذين يرون تواتر القرآن من زاوية القراءات السبع فحسب، فيقصرون النصّ القرآني- الذي هو كتاب المسلمين قاطبة- في إطار هؤلاء النفر النزر اليسير، فيالها من نظرة قاصرة وقصيرة المدى.
نشرت في العدد الرابع من المجلة بتحقيق السيد الحسيني ، ونسبها إلى الميرزا محمد بن محمد رضا القمي المشهدي صاحب تفسير (كنز الدقائق وبحر الغرائب) ، اعتمادا على ما ذكره الشيخ اغا بزرك في الذريعة، والظاهر أنه (ره) اعتمد على ما جاء في طبعتها الاولى.
والحق أن الميرزا محمد ليس الا شارحا لها، وهي منسوبة إلى ابن شحنة الحنفي، نبه على ذلك السيد محمد رضا الجلالي (عافاه الله تعالى) في العدد التاسع من المجلة في مقال له (تحقيق النصوص بين صعوبة المهمة وخطورة الهفوات).