• أدهشَني أنَّ كلَّ علوم اللُّغة تَنطِق بها اللُّغة، وأنها ليستْ مِن كلام العلماء، وإنما هي مِن استنباط العلماء من اللُّغة.
• لو سُئِلَ سيبويه عن الذي في «الكتاب» لقال: ليس هذا ممَّا قلتُه، وإنما هذا ممَّا استنبطتُه.. لو سُئِلَ عبد القاهر عن كلِّ ما في «الدلائل» لقال: ليس هذا ممَّا قلتُه، وإنما هذا ممَّا استنبطتُه.
• أهمُّ ما تَعلَّمتُه أني أُراجِعُ المُراجَعَ وأقرأُ المقروءَ بعقلٍ جديدٍ لأستخرجَ مِن المقروء ما لم يستخرجْه غيري.
• تطرَّق حديث الشيخ عن اكتشاف بعض الآثار اللُّغوية المكتوبة في الجزيرة العربية إلى مسألة اكتشاف الآثار عمومًا على أيدي البعثات الأجنبية؛ فقال: نحن لا نَكتشِف، نحن ننتظر حتى يأتي طلياني أو إسباني أو فرنسي ليَكتشِفَ لي آثار آبائي. يا أخي، لو عَلِمَ أبوك أنك على هذا القَدْر من التَّفاهة لَطَلَّقَ أُمَّك قبل أن يَتزوَّجها؛ حتى لا تَلِدَ له واحدًا مثلَك.
• حين أقرأ تاريخَ «موسى» في الكتاب العزيز وأقرأ تاريخَ مصر القديمة – و«موسى» كان جزءًا من تاريخ مصر القديمة - أجد أن الذين كتبوا تاريخ مصر القديمة كأنَّ «موسى» لم يُولَد، وكأنَّ بني إسرائيل لم يعيشوا فيها، وهذا هو مُستنقَعُ التخلُّف الذي سقطنا فيه لمَّا ضَلَلْنا الطريق.
• كنتُ أبحثُ عن جُملةٍ قالها «قُصَيٌّ» لأقارن بين ما قاله «قُصَيٌّ» وما قاله «هاشِم» الذي جَدُّه «قُصَيٌّ»؛ لأن هاشمًا ابنُ عبد مناف بن قُصَيّ، وعن الجُملة التي قالها عبدُ المطلب بنُ هاشم، وكنتُ أُريد أن أتلمَّس الفروقَ بين اللُّغات، حتى لمَّا استسقى عبد المطلب كانت له لُغةٌ تَرى فيها شيئًا لم تَرَه في لُغةِ حفيدِه مُحمَّدٍ صلواتُ الله وسلامُه عليه.
• العلمُ - يا عزيزي - يَفتحُ بعضُه البابَ لبعض، ولذلك ليس هناك شيءٌ اسمُه: كِتابٌ قال الكلمةَ الفاصلةَ في هذا الباب.
• كلُّ ما في اللُّغة؛ مِن نَحْوٍ وغَريبٍ وبيانٍ، ممَّا استخرجَه علماءُ اللُّغة من اللُّغة، ولو سُئِلَ عبدُ القاهر لقال: لم أقلْ كلمةً واحدةً في كتابي هذا (الدَّلائل) ولا في «أسرار البلاغة»، وإنَّما تَنبَّهْتُ إلى ما في اللُّغة وحَدَّثْتُ عن الذي رأيتُه في اللُّغة.
• وأنا في سِنِّكم حين كان الاستعمارُ مسيطرًا على البلاد، ومَالَأَه بعضُ الهلافيت، كانوا يقولون إن علوم العربية ازدهرتْ بعد الترجمة، وإنها منقولةٌ من اليونان.. أحفادُ اليونان مُستعمرون للبلاد وأنت تقولُ لنا إن أجدادَهم هم الذين نَفَعُوا آباءكم!! أي: اقْبَلُوهم كما قَبِلَ آباؤكم آباءهم!! هل هذا مَنطِق؟! هل هناك خيانةٌ أكثرُ مِن هذا؟! فظَهَر في النِّهاية - بالعَقْل والتَّتبُّع - أن كلَّ سَطرٍ من سطور علوم العربية مُستخرَجٌ من العربية.
• وَقَفَ الشيخُ محمَّد علي النجَّار - رحمه الله - عند مسألةِ ابن جنِّي: «تَصَاقُب الألفاظ لتَصَاقُب المعاني»، ورآها مِن النَّوادر العلمية الرَّائعة.
• الشيخ محمَّد علي النجار - رحمه الله - مُحقِّقُ كتاب «الخصائص» لابن جني، كان إمامًا من الأئمَّة الكبار، وراقني ابنُ عاشور صاحب «التحرير والتنوير» حين ذَكَرَه وقال إنه شيخُه، وهو شيخي أنا أيضًا، وامتحنني في امتحان التَّعيين في الفرقة الرابعة بكلية اللُّغة العربية، ولمَّا سألَني في النَّحْو أحسستُ أنه يسألُني عن نَحْوٍ تُرْكِيٍّ؛ لأني لم أَفهَم مِن سؤاله شيئًا، فأنجدني ربُّنا بشيخي الجليل عبد السَّميع شبانة، وكان معه في اللَّجنة؛ فبِلُطْفِه وعِلْمِه وحِكمَتِه قال للشيخ النجَّار: «أنا لا أَفهم مُرادَك!»، فقال له الشيخُ النجَّار: «فسَلْ أنت الطالبَ»، فبدأ الشيخُ يسألني وأُجيب، فقد كنت أحفظ المنهج.
• الذين خدموا العربية حُبًّا في دِين الله أكثرُ وأفضلُ مِن الذين خدموا العربية لأنها لسانُ آبائهم؛ فهم أَعْطَوْا قلوبَهم لهذا اللِّسان لأنهم أَعْطَوْا قلوبَهم لهذا الدِّين.
• هناك كَلماتٌ في سَطرٍ واحدٍ تحتاج مني في دراستها إلى نصف عُمْري، منها كلمةُ سيدنا عُمَر في زُهير بن أبي سُلمى، ولو كنتَ أنتَ مِن أهل العلم لكانتْ كلمةُ «عُمَر» تُرشِّح لك ديوان زُهير لتَكتُبَ فيه كتابًا أو أكثرَ؛ لأني أُريد أن أعرِفَ ما الذي جعل سيِّدَنا عُمَرَ يُحِبُّ زُهيرًا ويُفضِّله.
• سيِّدُنا عُمَرُ كان يُحِبُّ زُهيرًا، وكلُّ من يقرأ زُهيرًا يُحِبُّ زُهيرًا، لماذا؟ لأن زُهيرًا كان يَكْرَهُ أن يُرِيقَ العربيُّ دَمَ العربيِّ، اطْلَعْ مِن قبرك اليومَ يا سيِّدنا زُهيرًا وانظرْ الذي نحن فيه! ماذا كنت تقول يا زُهير إذا رأيتَ الذي نحن عليه اليوم؟! إذا رأيتَ الذي في السُّودان؟!
• أُحِبُّ الشَّعبَ السُّوداني، وعِشْتُ فيه ثلاثةَ أشهرٍ أستاذًا زائرًا في «أُمّ درمان»، وكانوا أكرمَ العرب وأكرمَ الناس؛ فمِنْ أينَ جاء هذا الخَرابُ الدَّائرُ الآن؟