وقفة عند أبزرِ صفاتِ المُنتظرينَ حقّاً لإمامِ زمانِنا في حديثِ إمامِنا العسكري
:
❂ يقولُ إمامُنا العسكريُّ وهو يُحدّثُ إمامَ زمانِنا عن أبرزِ أوصافِ المخلصينَ مِن الشيعة، يقول: (
واعلم أنّ قلوبَ أهلِ الطاعةِ والإخلاصِ نُزّعٌ إليك مثل الطير إذا أمّتْ أوكارَها) [كمال الدين]
[توضيحات]
عبارةٌ جميلةٌ وبليغة، بل في غايةِ البلاغة، سنقفُ عند بعضِ مُفرداتِها لتوضيح المعنى
• قوله:
(أنّ قلوبَ أهلِ الطاعة والإخلاصِ نُزّعٌ إليك) معنى
"نُزّعٌ إليك" أي مُتوجّهةٌ بتمامِها إليك، كما يتوجّهُ السهمُ إلى هدفه، فقلوبُ أهلِ الإخلاصِ تشتاقُ إلى الإمامِ شديدَ الشوق، فهي في غايةِ الإسراع، بل في حالةِ فِرارٍ إلى إمامِ زمانِنا ونحنُ مأمورونَ بالفرارِ إلى اللهِ كما يقولُ القرآن:
{ففِرُّوا إلى الله إنّي لكم مِنه نذيرٌ مُبين} والفرارُ إلى اللهِ لا يُترجَمُ على أرضِ الواقع إلّا بالفِرارِ إلى أهلِ البيت عليهم السلام لأنّ اللهَ تعالى ليس في جهةٍ مُعيّنةٍ حتّى نَفِرَّ إلى تلك الجهة، إذا أردنا أن نَفِرَّ إلى اللهِ فلابُدّ أن نتوجّهَ إلى وجهِه، ووجهُ الله هم أهلُ البيت عليهم السلام وفي زمانِنا هذا وجهُ هو إمامُ زمانِنا كما نُخاطبهُ في دعاء الندبة:
(أين وجهُ اللهِ الذي إليه يتوجّهُ الأولياء) فجهةُ الفرارِ إلى اللهِ هي: وجهُ اللهِ الذي إليه يتوجّه الأولياء جهةُ الفرارِ هي إمامُ زمانِنا كما نقرأ في الزيارة الجامعة الكبيرة:
(مَن أراد اللهَ بدأ بكم)
•
فإمامُنا العسكريُّ عليه السلام يقول أنّ قلوبَ أهلِ الطاعةِ والإخلاص تشتاقُ شديدَ الشوقِ إلى إمامِ زمانِنا كما تشتاقُ الطيورُ إلى أوكارها فتعود لأوكارِها مساءً، وهو تشبيهٌ جميلٌ ولطيفٌ ودقيق
•
فمعنى أوكار الطيور: هي الأعشاشُ والبيوتُ والأوطانُ التي تأوي إليها الطيور، فالطيورُ تشتاقُ إلى أعشاشِها ولذا تعودُ إليها في وقتٍ دقيقٍ ومُحدّد مساءً إذا حلَّ الظلام، وليس كالإنسانِ الذي لا يلتزمُ بوقتٍ مُعيّن في رجوعهِ إلى بيتهِ الطيورُ تعودُ إلى أعشاشِها في وقتٍ ثابتٍ ومُحدّد حتّى في أيّامِ المطرِ الشديد والأعاصير وكذلك في الأيّامِ الشديدةِ الحرارة، لذا قال الإمام أنّ قلوبَ أهلِ الطاعةِ والإخلاصِ نُزّعٌ إلى إمامِ زمانِهم مثلَ الطيور إذا رجعت لِأوكارِها، لأنّ الإمامَ بالنسبةِ للشيعة المُخلصين هو وطنُهم وهو عُشُّهم ووكرُهم، فهُم لا يجدونَ الاطمئنان ولا يجدون الرحمة والحنان والرأفةَ ولا يجدون الكرامةَ والعِزّة ولا يجدون الحقَّ إلّا في الفناء الأقدسِ لإمامِ زمانِنا، ويُشيرُ إلى هذا المعنى إمامُنا الكاظم عليه السلام وهو يُبيّن معنى قولِهِ:
{وأسبغ عليكم نِعَمَهُ ظاهرةً وباطنة} إذ يقول
(النعمةُ الظاهرة الإمامُ الظاهر، والباطنة: الإمامُ الغائب، فحين سألوه ويكون في الأئمّةِ مَن يغيب؟ قال: نعم يغيبُ عن أبصارِ الناسِ شخصُه ولا يغيبُ عن قلوبِ المؤمنين ذِكرُه)
•
لماذا لا يغيبُ ذكرهُ عن قلوبِ المؤمنين؟
الجواب واضح، لأنّ قلوبَ المُؤمنين المخلصين نُزّعٌ إلى الإمامِ مثل الطيرِ إلى أوكارِها فالإمامُ يغيبُ شخصُهُ فقط عن أبصارِ الناس، ولكنّه في حقيقتِهِ ليس غائباً الإمامُ هو الغائبُ الشاهد، هو غائبٌ عن أنظارنا ولكنّه شاهدٌ على أنظارِنا وعلى كلِّ جارحةٍ مِن جوارِحنا، بل على كلِّ نَفَسٍ وكلِّ خَلَجةٍ مِن خَلَجاتِ أنفُسِنا فلا يغيبُ عن قلوبِ المؤمنين المُخلصين ذِكره
•
وأمّا مَن هم أهلُ الإخلاص وما أوصافُهم؟
فيُجيبُنا إمامُنا السجّاد عليه السلام في هذه الرواية التي يُحدّثُنا فيها عن أوصافِ المُنتظرين حقّاً لإمام زمانِهم، فيقول:
(إنّ أهلَ زمانِ غيبتهِ، القائلينَ بإمامتِهِ، المُنتظرينَ لظهوره، أفضلُ أهل كلِّ زمان؛ لأنّ اللهَ تعالى ذِكرهُ أعطاهم مِن العقولِ والأفهامِ والمعرفة ما صارت به الغيبةُ عندهم بمنزلةِ المُشاهدة، وجعلَهم في ذلك الزمانِ بمنزلةِ المجاهدينَ بين يدي رسول الله بالسيف، أولئك المُخلصونَ حقّاً، وشيعتُنا صِدقاً، والدُعاةِ إلى دينِ الله سِرّاً وجهراً) [غيبة النعماني]
هذه الرواية يجب على الشيعي في كلِّ لحظةٍ أن يُدقّقَ النظر فيها، فهي تُحدّثُنا عن زمانِ الغَيبة وتُخبِرُنا بأنّه في زمانِ الغَيبة قد يتمكّنُ الناسُ مِن أن تكون الغَيبةُ عندهم بمنزلةِ المُشاهدة وذلك حينما يملكون عقيدةً سليمةً بإمامِ زمانِهم وهذا أعظمُ توفيقٍ وأعظمُ تسديدٍ ينالُهُ العبدُ مِن الله ومِن إمام زمانه وإنّما يبلغُ العبدُ إلى هذه المرتبة:
(أن تكونَ الغَيبةُ عندهُ بمنزلة المُشاهدة) بهذه الأوصاف التي ذكرها إمامُنا السجّاد عليه السلام فأصحابُ هذه الأوصاف هم المُخلصون حقّاً كما يقولُ الإمام:
(أولئك المُخلصونَ حقّاً وشيعتُنا صِدقاً) فصِفةُ الإخلاصِ هي التي تكونُ سَبَباً للبلوغ إلى هذه المرتبة، والإخلاصُ إنّما يكونُ في
قلبِ الإنسان
●➼┅═❧═┅┅───┄
🔘 @alwilaya