النحو الذي أصبح فيه فعلًا -وهذه نقطة مهمة يجب أن نتفهمها- شاهدًا لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؛ لأنه في علي (صلوات الله عليه) نزل قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} (هود: من الآية17).
الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) كان يتحرك على بينة من ربه، وعلي (صلوات الله عليه) كان هو الشاهد لرسول الله، هو الشاهد من نفس رسول الله؛ لذا قال عنه (صلوات الله عليه وعلى آله) في مقام آخر: "أنت مني وأنا منك" "علي مني وأنا من علي"، وجاء القرآن الكريم ليؤكد ذلك: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} (آل عمران: من الآية61) فجاء بنفسه ونفس علي بعبارة واحدة {أنفسنا}.
{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} هل الشهادة هذه هي فقط تقتصر بأنه: فعلا والله صح؛ لما رأيناه من هذه المعجزة أو تلك المعجزة أنك نبي صادق؟! هذه شهد بها حتى المشركون في قرارات أنفسهم {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (الأنعام: من الآية33).
ما هي شهادة علي للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)؟
إنها شهادة على مدى سنين، شهادة أداها في مواقفه، شهادة أدّاها في حياته كلها، أنت تريد أن تعرف عظمة هذا الإسلام، إذا كان هناك أي نظرية - كما يقولون - لا يمكن أن تعرف عظمتها إلا عندما ترى ما تصنعه، ما تقدمه من أثرٍ، ترى نماذج ممن يحملون أفكار تلك النظرية، ثقافة تلك النظرية، توجُّهات تلك النظرية، فتراهم كيف هم، هنا تحكم على تلك النظرية عندما كانوا يجسدونها بنسبة مائة في المائة.
لقد عَدّ كثير من الكُتّاب ومن العلماء قالوا عن علي (صلوات الله عليه) أنه كان معجزة للرسول من هذا الاتجاه.
ما يُدرينا أن هذا الدين عظيم في واقعه؟ هو دين يخاطبنا، دين يتحدث مع نفوسنا، مع وُجداننا، دين لـه رؤيته في نموذج للإنسان يريد أن يقدمه، كيف ذلك النموذج الذي سيقدمه الإسلام فعلًا لمن يسير عليه؟ ارجع إلى علي وستعرف ذلك النموذج، الذي لم يبهر فقط المسلمين، بل بهر أيضًا المسيحيين فكتب عنه كُتّاب مسيحيون أُعجِبوا بعظمته، أُعجبوا بمصداقيته، اعتبروه عبقريًا، عظيمًا، اعتبروه مثلا أعلى حتى من غير المسلمين.
عندما ترجع إلى علي (صلوات الله عليه) في رؤيته، في مواقفه، في ممارساته، في سلوكياته تجده فعلًا نموذجًا للشخصية العظيمة التي يمكن أن يصنعها هذا الدين الذي جاء به محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، فهو شاهد لهذا الدين: أنه دين كامل، من إله كامل، اصطفى لتبليغه رسولًا كاملًا، هو الله سبحانه وتعالى الذي قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا} (المائدة: من الآية3).
دين كامل، رسول الله، الله اصطفاه وأكمله، هو من قدم هذا الدين كرسول له. نريد أن نرى في الساحة نموذجًا صادقًا يشهد لعظمة هذا الدين؟ ارجع إلى علي {ويتلوه شاهد منه} في مواقف علي عندما ترجع إليها تجد عظمة الإسلام، تجد أخلاق الإسلام متجسدة، وهذه لها أثرها في النفوس، كل شيء سيبقى نظرية، كل شيء سيبقى خاضعًا للاحتمالات إذا لم يكن هناك على صعيد الواقع ما يشهد لصحته، {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} (فصلت: من الآية53).
كما تأتي الشواهد في الأحداث، في المتغيرات تشهد لهذا الدين، وهو حق لا شك فيه لكن كمنهجية تربوية لهذا الإنسان، لينطلق إلى أعماق مشاعر هذا الإنسان، ويفرض عظمته على هذا الإنسان من خلال الأحداث، من خلال الآيات، من خلال ما يُقدمه من نماذج، فعلى مستوى الإنسان ارجع إلى علي (صلوات الله عليه) إنه شاهد على أنه حق، {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت:53) وكفى به شهيدًا.
ولكن من أجلنا نحن بني البشر الذين قال عنهم: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} (الكهف: من الآية54) {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} (عبس:17) إلى آخر ما وصل به هذا الإنسان عندما يتجه إلى العناد؛ فمن أجل رحمة الله به، من أجل لطف الله به، من أجل رأفة الله به يُقَدِّم له الشواهد في مختلف المجالات على عظمة ما قدمه له من منهج، على عظمة هذا الدين الذي أكمله لـه، وأتم به النعمة عليه به، ورضيه دينًا يدين به أمام مولاه سبحانه وتعالى.
🍀🍂🍀🍂للاشتراك في خدمة
#ملزمة_الأسبوع :
http://telegram.me/malzamah