أهل الاستبشار من أهل هذا الدين في عصرنا وكل عصر إنما يجرون على سنن القرآن وسنن أهل القرآن، فإمام المسلمين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من قال: (إن أمر المؤمن كله له خير إن أصابه سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابه ضراء صبر فكان خيرا له)، والحديث عن المؤمن لا غير؛ فغيره لم يصب بالبلاء إلا عقوبة، والمؤمن يصاب بالبلاء رفعة له لأن البلاء على شرط الإيمان.
بعضهم يقف واصفا حال العصاة مع البلاء في زمنه، ويعيش ظرفهم، ويفسر مواقفهم ليسبغ أهل البلاء كلهم على معانيه الفاسدة التي لا يرى سواها، فيعظم البلاء على معنى العذاب لا غير، ولا ينتبه لمحط نظر الله وهم أولياؤه المتقون، فهم من يريد ربنا في هذا البلاء، إذ يفرح لصبرهم وتذكرهم وشكرهم.
نحن لا نستبشر لمعانٍ فارغة قاصرة على الذهن فقط، بل نفرح لمعاني حقيقية في الوجود، فالشهداء حقيقة غيبية هي اليقين، والصابرون حقيقة في فوزهم بالأجر والوعد، وعاقبة ذلك كله النجاة في الآخرة والفوز في الدنيا.
نستبشر بالحدث الرباني الذي قدره لعباده لأن فيه خزي الكافرين، وحصولهم على ما يوجب عليهم عذاب الله وغضبه، وتعظم مصائبهم حتى يكون العذر غير وارد البتة، إذ خرقوا كل معاني الرحمة في الوجود.
فمن الذي يعذر يهود اليوم لو وقع عليهم أشد العذاب؟.
وهؤلاء الذين صبروا وجاهدوا وتألموا لا بد من وصول ذلك كله لمقام النجاة والعزة والظهور.
نحن لا نستبشر لنقوي العزائم فقط، بل نستبشر لأن النصر حقيقة، ولأن وعد الله أقوى من كل معانديه وأعدائه ومانعيه.
يجب علينا أن نستبشر لأن الاستبشار عدة الصبر، ولأنه عدة النصر، ولأن رحمة الله عظيمة وهي أوسع من كل قتلهم وإجرامهم.
نحن نستبشر لأن الاستبشار مرهم الآلام وزاد اليقين.
نستبشر لأن وعد الله حق، ولأن المجاهدين هم حملته، وهم أصدق الناس، فالطائفة المنصورة شرطها الجهاد والقتال في سبيل الله.