للذكرى:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ): "الصواب في قصة آدم وموسى: أن موسى لم يلم آدم إلا من جهة المصيبة التي أصابته وذريته بما فعل، لا لأجل أن تارك الأمر مذنب عاص؛ ولهذا قال: لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ لم يقل: لماذا خالفت الأمر؟ ولماذا عصيت؟
والناس مأمورون عند المصائب التي تصيبهم بأفعال الناس أو بغير أفعالهم بالتسليم للقدر وشهود الربوبية؛ كما قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]، قال ابن مسعود أو غيره: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم".
قال أبو محمد ابن حزم: فموسى صلى الله عليه وسلم وضع الملامة في غير موضعها، فصار محجوجا، وذلك لأنه لام آدم صلى الله عليه وسلم على أمر لم يفعله، وهو خروج الناس من الجنة، وإنما هو فعل الله عز وجل، ولو أن موسى لام آدم على خطيئته الموجبة لذلك لكان واضعا للملامة موضعها، ولكان آدم محجوجا وليس أحد ملوما إلا على ما يفعله لا على ما تولد من فعله، ولا مما فعله غيره.
والكافر إنما يلام على الفعل، لا على دخول النار، والقاتل إنما يلام على فعله، لا على موت مقتوله ولا على أخذ القصاص منه" [الإحكام]
هذان نصان للشيخين العظيمين في شرح حديث: (حج آدم موسى -عليهما السلام-).
فالعبد مسؤول عن فعله أصاب به الحق أم أخطأ، وليس مسؤولا عما يؤول إليه فعله مما قدره الله، فالمجاهد يجتهد إصابة الحق والصواب فإن أخطأ أو وقع من جنده الخطأ لا يلام عما ترتب على فعله من نتائج وإنما يلام على نفس الفعل إن كان مخطئا، ويعذر إن كان مجتهدا.
فالذين يلومون المجاهدين في اختيارهم إنما يقع منهم هذا اللوم بأحد أمرين:1- أولهما: سوء الظن بالمجاهدين، وأنهم لا يريدون الخير للأمة، أو أنهم يتآمرون مع أعداء الأمة ضدها، وهؤلاء لا حديث معهم، فقد ابتلي بهم أهل الإسلام بلاء لا دواء منه، ولكن يظهر الله من أقوالهم ما يقبح وجوههم ويسودها ويجعلهم آية من الخزي.
2- ثانيهما: مخالفة هذا الحق وجهلهم بحكم الله في ما يترتب على الفعل مما يتولد منه مما قدره الله، وعمدة هذا الفعل هو ترك الصبر على البلاء وعدم الاحتساب فيما يقع له، وهو باب لتلعب الشياطين في الإنسان، بل يوقع الخصومات والظلم والفساد، فأين اليوم تجد من يسكت إذا قيل له الحق، بل يجادل ويصرخ ويلوم.
البلاء له مقاديره وسيفرح عند لقاء الله من صبر له وعالجه بالحق والشرع والدعاء.
الحديث:
قال النبي صلى الله عليه وسلم قال : حاج موسى آدم عليهما السلام فقال له : أنت الذي أخرجت الناس بذنبك من الجنة وأشقيتهم ! قال آدم : يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ! أتلومني على أمر قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني ، أو قدره علي قبل أن يخلقني . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فحج آدم موسى .
رواه البخاري ومسلم.