#شرح_دعاء_ابي_حمزة_الثمالي #الشيخ_حبيب_الكاظمي #شهر_رمضان_المبارك شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
الحلقة:
#التاسعة:
#مفهوم_الهروب_إلى_الله- (وَأَنَا يَا سَيِّدِي عَائِذٌ بِفَضْلِكَ، هَارِبٌ مِنْكَ إِلَيْكَ..).. إن
مفهوم الهروب مستجمع لأركان ثلاثة : فالأول : ما يُهرب منه.. والثاني : ما يهرب إليه.. أما الثالث : فهو سبب
الهروب.. فالإنسان عندما يهرب إنما هو يهرب من شيء ، ويلوذ بشيء ، وهو في هذه الحالة من
الهروب من جهة وإلى جهة ، يعيش حالة الخوف والوجل لسبب ما.. كالإنسان الهارب من حيوان مفترس ، من الطبيعي أن تراه يلوذ بجهة مأمونة ، والذي دفعه
إلى ذلك هو الحالة التي استشعرها في نفسه ، من خوف الضرر من هذا الحيوان ، والتي جعلته يسارع في الفرار..
فإذن، إن طبيعة الهرب ، يلازمها الحركة والالتجاء.. فالذي يهرب
إلى الله تعالى ، لابد وأنه يخاف من شيء ، والخوف هنا إنما هو من غضب
الله تعالى.. ورب العالمين نحن لا نخاف من ذاته ، وإنما نخاف من عذابه ونقمته ، ذلك العذاب الذي يترتب على فعل العبد نفسه.. ولهذا فإن القرآن الكريم يجعل الخوف من مقام الرب ، هو السبب المحرك لتهذيب النفس ، في قوله تعالى
: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}.. فمقام الرب ، هو ذلك الشيء الذي يُخاف منه هيبةً ووجلاً.. والإنسان إذا كان صادقاً في الخوف من غضب
الله تعالى ، فلابد أن يتحرك ، ولابد أن يرحل ويمشي ويسير ، ولكن
إلى من يلتجئ ؟.. وبمن يلوذ ؟.. لا شك في أن الجواب : أن العبد لا ملجأ له من
الله تعالى إلا إليه ، فهو القائل تعالى :
{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}.. فهو يفر منه ، إليه.. يفر منه بوصف المنتقمية والغضب ؛ ويهرب إليه بوصف الرحمانية والرحيمية.. فإذن، الإنسان الذي يعيش هذه الحقيقة من الخوف ، فهو في حركة دائبة
إلى الله تعالى.
ومن هنا يأتي معنى الاستعاذة الحقيقة.. وعلماء الأخلاق يشبهون الذي يكتفي بمجرد الاستعاذة لفظاً : بإنسان في صحراء ، وفي هذه الصحراء حيوان مفترس ، وأمامه حصن حصين ينجيه من المخاطر ، ولكنه يكتفي بالاستعاذة بصاحب هذا الحصن ، وهو قابع في مكانه !!.. فهذا الإنسان بلا شك إن لم يقم بحركة واقعية ، فسيكون مصيره الافتراس.. فإذن، الذي يستعيذ بالله تعالى من شر الشيطان ، ومن شر نفسه ، ولا يقوم بحركة واقعية في الالتجاء
إلى الله عزوجل ، فإنه واقعاً يعد مستهزئاً بنفسه.
- (وَمَا أَنَا يَا رَبِّ وَمَا خَطَرِي..).. ثم إن الإمام (ع) يعبر بهذه العبارة المختصرة والتي تحمل زخماً عاطفياً كبيراً ، حيث يقول (ع) : يا رب أنا ما وزني عندك حتى أكون من الذين تصب عليهم الغضب والانتقام ؟!.. ومن المعلوم أن الإنسان - عادة - عندما يعاقب أحداً ، فإنما يعاقبه لأن له وزنه وقيمته.. في حين نرى - في بعض الأوقات - تجاوز الكريم عن هفوات الصبي وإن قذفه بكلام بذيء ؛ لأن الصبي لا وزن له عند الكريم فلهذا هو لا يعبأ بكلامه..
وحقيقةً إن الإنسان إذا عاش هذه العبارة بتذلل ، واستشعر حقارة ذاته ، الذي هو نقطة ضائعة في هذا الوجود المترامي الأطراف من الذرة
إلى المجرة ، فإن هذا الإحساس بهذه الحقارة من موجبات نزول الرحمة الإلهية الغامرة ، ولكن بشرط الصدق والجدية في الفكرة والمشاعر.
رزقنا
الله تعالى وإياكم ذلك بمنه وكرمه !..
https://t.me/shathrat14/21822