💫صفة المتقين
لقد وصف الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه المتّقين بقوله: (فهم والجنّة كمن قد رآها فهم فيها منعّمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون). فرغم أنّهم لم يشاهدوا الجنّة أو النار بأعينهم الباصرة ولكنّهم ممتلئون يقيناً بوجودهما، فترى أحدهم يحلم ويصفح عمّن سبّه أو ظلمه لأنّه يعلم أنّه سينال بذلك درجة في الجنّة، فهو سعيد منعّم حتّى في هذه الحالة، لأنّه كمن يرى الجنّة ودرجة المحسنين فيها بعين البصيرة وإن لم يرها بالعين الباصرة.
إنّ الورع هو الذي يبلغ بالإنسان إلى هذا المقام، ولكن هل يتحقّق هذا دون سعي وعمل؟
إنّ القرآن الكريم صريح في قوله تعالى: ﴿وَأنْ لَيْسَ للإنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى﴾.
إنّ الله تعالى هو الذي يفيض على الإنسان وهو الذي يعطيه ولكن ذلك لا يتمّ إلاّ مع السعي والتمرين من قِبل الإنسان نفسه فضلاً عن الدعاء.
لو أنّ شخصاً تثق به أخبرك أنّه مستعدّ لتعويضك عن كلّ ما ستنفقه من أموالك في مجال الخير بل يزيدك عليه شيئاً، فهل تتأخّر عن الإنفاق أم ستبسط يدك؟
لا شكّ أنّك لا تتأخّر عن الإنفاق لأنّك تعلم أنّ هناك من وعدك أنّه سيعوّضك عن كلّ ما ستخسره من أموال، وما ذلك إلاّ لأنّك تشاهد الشخص الذي تثق به عياناً، وترى أمواله وإمكاناته وتحسّ بعلاقتك المباشرة معه. فهكذا يكون المتّقون في تعاملهم مع الله تعالى؛ لذلك ترى الإنسان المتّقي لا يقول لماذا عمل معي فلان كذا مع أنّي خدَمته، بل لا يفكّر في ذلك، لأنّه يؤمن بقوله تعالى: ﴿إنْ أحْسَنْتُمْ أحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ﴾ بل تراه يتّهم نفسه دائماً، فقد روي عن أمير المؤمنين سلام الله عليه قوله:
(المؤمنون لأنفسهم متّهمون) أي أنّ المؤمن يتّهم نفسه ويراها مقصّرة دائماً، وما دام الأمر كذلك تراه لا يتألّم ولا يقلق لمجرد أنّ شخصاً ما لم يردّ عليه إحسانه، وأمّا حاله مع سخط الله تعالى فتراه يحتاط حتّى في قول كلمة واحدة ويحذر من أن تصبح له عاملاً إلى مؤاخذة الله عزّ وجلّ.
نقل لي سجين سابق: أنّه كان جالساً مع زملائه في السجن لتناول وجبة إفطار الصباح، إذ نودي باسم أحدهم للذهاب إلى المحكمة، وصادف أثناء النداء باسمه أنّه كان يحمل كوب الشاي بيده، فبدأت يده ترتعش خوفاً حتّى فرغ كلّ ما في الكوب من الشاي، ثمّ سقط الكوب من يده إلى الأرض! كلّ ذلك لخوفه من المثول أمام محكمة المخلوق، بعد يقينه بوقوعها.
وهكذا ينبغي أن يكون حال المتّقين في استقرار يقينهم بمحكمة الخالق، فما أعظمها وأعظم أهوالها.
من كتاب: حلية الصالحين
لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله
#المرجع_الشيرازي_المرجعية#النفس_العمل_الأخلاق_النفس_الاعمال_الورعللاشتراك في قناة الموقع على التلجرام:
https://t.center/alshirazzilib